أولو الألباب 6
د.عثمان قدري مكانسي
قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) المائدة.
المسلم العاقل يتجنب الحرام ويدعه ، ويكتفي بالحلال ويقنع به. فعن القاسم أبي أمامة أن ثعلبة ابن حاطب الأنصاري قال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال النبي صلى الله عليه وسلم" قليلٌ تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه " . فالقليل الحلالُ النافع خير من الكثير الحرام الضارِّ ، وقد جاء في الحديث " ما قلَّ وكفى خيرٌ مما كثر وألهى "
يأمر الله تعالى نبيه المعلّم صلى الله عليه وسلم أن يوضح للمسلمين أنه لا يستوي الخبيث – ولو أعجبتنا كثرتُه - والطيبُ ولو قلَّ فهو الخير والبركة . إنّ الطيّب ينمو ويكبر وأثره إيجابي في حياة الفرد والمجتمع ،
إنَّ كلمة ( قل) توحي أن على العالم أن يكون نبراساً يهتدي به الناس ، يدلهم على الصراط السوي ، ويصحح مفاهيم الحياة ، فينفي خبَثَها ويُثْبت صالحها ، وينبغي أن نوسع دائرة الكلمة ( قل) فيعلمَ الأب أولاده والأخ إخوانه ، والجارُ جيرانه والمرأة زائراتها، فينتشر العلم والمعرفة في المجتمع المسلم ، وما أجمل قول الشاعر:
تعلّمْ ، فليس المرء يولد عالماً .... وليس أخو جهل كمن هو عالمٌ
وقد قال تعالى : "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب" الزمر 9 ولعلنا نُعرِّج على هذه الآية في وقتها. وفي القرآن الكريم ستة عشر آية تبدأ بـ( يسألونك) ويتبعها قوله تعالى : (قل). فما ينبغي للمعلم أن يكتم علماً . وفي الأثر: كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً ولا تكن الرابعة فتهلك . والرابعة ( الجهل).
ولن يستوي الخبيثُ ولا الطيب، لا الحلال ولا الحرام ،ولا المؤمن ولا الكافر، ولا المطيع ولا العاصي ،ولا الرديء ولا الجيد ، ولا العالم والجاهل ، ولا البلد الطيب والبلد الخبيث " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا " الأعراف : 58 ، وقد قال تعالى : " " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " ص : 28 وقوله سبحانه:" أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات " الجاثية :21
وعاقبة الخبيث الخسرانُ وإن كثر، وعاقبة الطيّب النماءُ ولو قلَّ ، فذاك في أتون النار وهذا في الفردوس الأعلى، يقول القرطبي رحمه الله : فالخبيث لا يساوي الطيِّبَ مقدارا ولا إنفاقا , ولا مكانا ولا ذهابا , فالطيب يأخذ جهة اليمين , والخبيث يأخذ جهة الشمال , والطيب في الجنة , والخبيث في النار، وهذا بيُّن .ويقول رحمه الله في تفسيره الرائع لهذه الآية : [فالخبيث من هذا كله لا يفلح ولا ينجب , ولا تحسن له عاقبة وإن كثر , والطيب وإن قلَّ نافعٌ جميل العاقبة . وحقيقة الاستواء الاستمرار في جهة واحدة , ومثله الاستقامة وضدها الاعوجاج ,]..
لن يعجبنا – معشر المسلمين – كثرةُ الخبيث ،لكنّ أكثر الناس تحكمهم شهواتهم ورغباتهم الآنيّة التي يحققها الخبيث دون أساس متين ، فيظهر لأولي العقول القاصرة أنه يحقق مآربهم ويُعجبون به ، فيعميهم عن الحق والعمل الطيب ، فيمتنعون عنه وقد يحاربونه، إن الحقَّ ثمين لا يقدر عليه إلا راغبه وقاصده المجتهد، لا يصبر عليه إلا العالمون ذوو القلوب الشفافة والأفئدة الواعية .
ومن صفات أولي الألباب في هذه الاية الكريمة:
1- وعي الأمور وإدراكها : بحيث يعلمون أن الخير والشر متناقضان لا يستويان ..
2- البعد عما يضرُّ والقرب مما ينفع: والخبيث ضار والطيب نافع.
3- واجب أولي الألباب في النصح والتوجيه وتعليم الناس الخير.
أولو الألباب يقرؤون صفحات الحياة واضحة جليّة ، فيأخذون ما ينفعهم في الوصول إلى الهدف المرجوّ ، ويسيرون في دربهم مطمئنين إلى سلامته من كل اعوجاج وانحراف ، فهم على نور من ربهم ......