وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ
وقرن الله طاعة الوالدين بعبادته
والتنكر لهما تنكراً للخالق
مؤمن محمد نديم كويفاتيه
قوله تعالى" : ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون"
مادفعني للكتابة بهذا الشأن والتذكير به عن قضايا البر والعقوق للوالدين ، أن الكثير من الدعاة والداعيات ، والمجاهدين والمجاهدات ، والمصلين والمصليات ، والكثير من الشباب والشابات ، أنهم يقوموا بأعظم الواجبات ، وأبر الطاعات والقربات الى الله من العبادات ، وينسون الأهم وهو الوالدين ، فلا يبالون بهما أو هم في الغالب على عقوق لوالديهم أقرب المقربين إليهم ، وهم لايعون أو لايُدركون أو لاينتبهون إلى خطورة هذا العقوق الذي قرن الله سبحانه عقوقهما بعقوقه ، والتنكر لهما بالتنكر له ، وقرن طاعتهما بعبادته ، حتى كان أفضلية العمل عند الله كما جاء على لسان المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم الصلاة على وقتها ثم البر بالوالدين ثم الجهاد في سبيل الله ، وبالتالي يأتي الإحسان الى الوالدين بعد حق الله ، وهو من اكبر القربات الى الله ، ، لأنّ النشأة الأولى كانت من عند الله ، والنشء الثاني وهو الانجاب والتربية من جهة الوالدين ، ولهذا قرن الشكر لهما بشكره " ان اشكر لي ولوالديك " وقرن طاعة الوالدين بعبادته " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " وأعلاها الإحسان للوالدين معاشرتهما بالمعروف والتواضع لهما وامتثال أمرهما والدعاء بالمغفرة بعد مماتهما
وقد قرن الله سبحانه عقوق الوالدين بعقوقه والتنكر لهما بالتنكر له ، فهو الخالق المنشئ الأول من العدم ، وهم كانوا السبب في وجود الأبناء ، ولكن الفارق بينهما ، أن المنشئ الخالق من يكفر به يصبر عليه ويفتح له الأبواب للعودة اليه ، فإن أبى الا غرورا يستدرجه ليزيده في طغيانه ولهوه وكفره ، لأن ذلك لايؤثر على الله ولا يُنقصه ولايعتريه ضعف أو عجز سبحانه ، أما الوالدين فقد يُصابا بجلطة أو أزمة قلبية ، او مرض مفاجئ أو مزمن ، ، فهنا لايستطيعان أن يردا عليه فينتقم الله لهما فيه في الدنيا قبل الآخرة ، وكأن الله سبحانه يقول لمن كفر به أستدرجك حتى إذا أردت أخذك ، اخذتك أخذ عزيز جبار مقتدر ، وأما بالنسبة لعقوق الوالدين لما يعتريهما الضعف والعجز فهما يُقهران ، فإن فعلت مايُسيء لهما ويقهرهما ، فأنا القاهر الذي سآخذ حقهما منك عاجلاً أو آجلاً ، وقد يكون في الدنيا والآخرة معاً ، ولذلك نرى أن دعاء الوالدين على أولادهما غالباً مايُصيبهم ، لأنهم عندما يلجأون بالدعاء الى الله على الأولاد غالباً مايكون باعثه الألم الذي سببه العق ، او جحودهم حقهم ، فيجأرون الى القاهر الجبار ، على الذي ربوه ضعيفاً يوماً بيوم حتى كبر وأصبح عاقّاً معانداً متعالياً
وبالوالدين إحساناً : كلمة الإحسان تدل على المبالغة في العطاء الزائد ، وحتى في حالة كفرهما فاحترامهما وطاعتهما بما لايُغضب الله أمراً معروفاً ، والإحسان فيه أن تفعل فوق ماكلفك الله ، مُستشعراً أنه يراك وإن لم تكن تراه ، وكأن الله سبحانه يقول : إيّاك أن تعمل مع والديك القدر المفروض فحسب ، بل ادخل في برهما ، والإنعام عليهما والتلطف بهما ، والرحمة لهما وذلّة الانكسار فوق مايطلبه منك والدعاء لهما " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً " والبر في التوصية لهما " ولاتقل لهما أُفّ " (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً * إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً *وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)
وتتكرر الوصايا في القرآن وسنّة الرسول صلى الله عليه وسلم بالوالدين من الأولاد ، بينما الوصية للوالدين بالأولاد قليلة فيما يتعلق بقضية الوأد ، لأن الأولاد هم بحاجة دائمة للتذكير ، بينما الأباء تدفعهما فطرة الله في التربية وبذل المستطاع والرحمة التي زرعها الله في قلوبهما هي ضمانة امتداد الحياة ، فالولدان يبذلان لوليدهما من أجسامهما وأعصابهما وأعمارهن كل مايملكان من عزيز وغال من غير تأفف أو شكوى ولذلك أتت " ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن " اللهم اغفر لي ولوالديا ولكل من قال آمين.