مناجاة 3

مناجاة 3

الأستاذ عمر التلمساني – رحمه الله -

الأستاذ عمر التلمساني – رحمه الله -

 ربي..خلقتني فألزمني الإخلاص في عبادتك، ورزقتني فألهمني شكر نعمتك..إن لم ترحم فمن يرحم سواك؟ وإن لم تعن فمن يعين سواك؟ وإن لم توفق فمن يوفق سواك؟

أصرفنا عن النظر إلى غيرك لا اعتزالا للمجتمع ولا صدودا عن العمل حتى لا نخشى ولا نرجو ولا نرى ولا نسمع بشيء في هذا الوجود إلا لك..

لئن عجز النظر –بحكمتك- عن استجلاء نورك، فاجعل القلب كله نورا، خفقاته نورا، نبضاته نورا، هو ذاته مضغة من النور، وأصلحه يا رب حتى يصلح الجسد كله.

 ربي.. لئن قصر المسلمون فرحمتك، سبقت غضبك، ولئن تجرءوا فحلمك سبق مؤاخذتك، ولئن أثموا فعفوك سبق عقوبتك، لا تؤاخذنا بتقصيرنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ودار انشغالنا، إننا لا نعوذ من الفقر إلا إليك ومن الذل إلا لك ومن الخوف إلا منك، فاملأ اللهم قلوبنا غنى بك حتى لا نقصد سواك، واملأ نفوسنا اعتزازا بك لا تذل لغيرك، وأفض علينا من خشيتك ما يسد جميع منافذ الخوف من خلقك، حتى نمضي بدعوتك غير هيابين ولا مترددين، يقينا منا بعونك وقوتك وقدرتك وسلطانك.

 ربي..أحبك حتى ولو عصيتك..ولئن كانت الطاعة دليل المحبة فالإنابة إليك أمر تحبه ذاتك العلية، فأنت تحب العصاة إذا تابوا، فاجعل اللهم توبتنا مما تعلم ومما لا نعلم توبة صادقة نصوحا، تبدل سيئاتنا حسنات فذلك وعدك، فالقلب عرشك، والنفس تواقة والهة، والخاطر مرتع الشوق إلى رضاك، فروها بالفضل، وأغثنا بالعون وانصرنا بالمشيئة وافتح لنا وعلينا وبنا.

 ربي.. إن لم تعني فمن؟! الطرف ذليل، والعون قليل، والعبء ثقيل، والجهد ضئيل، والعمر طويل، فالضعف له زميل، فهب لنا من العون ما تبلغنا به رضاك والجنة، وحبب الإيمان إلينا وزينه في قلوبنا، وألهمنا الرشد والصواب، واجعلنا دعاة بحق في حق وعلى حق، إن النية خالصة لك حقا وصدقا.

ربي.. تحالفت قوى الشر الطاغية ضد شرعك، ووجدت لها في كل مكان عبيدا وأنصارا، ودعاة دينك أضعف من أن يدفعوا عن أنفسهم بغي البغاة وعدوان المعتدين، فلم يبق إلا عونك.. فآية من آياتك ترد بها كيد الكائدين وحماية لدعاتك من عسف الظالمين..

 اللهم إنا نعلم أن عصيان الورى لن ينقص من ملكك مثقال ذرة ولا أكبر من ذلك ولا أصغر، ونعلم أن طاعة كل من في الوجود لن يزيد في ملكك جناح بعوضة إنك أنت الغني الحميد، ولكن دعاتك يرجون نصرتك فلا تخيب لهم فيك رجاء، ولا ترد لهم عن الإجابة دعاء، ولا تحرمهم منك انتسابا أو ولاء، إن لم تجعل لهم النصر فتجلى عليهم بالصبر والرضا، وثبتهم على الحق حتى يلقوك أبرارا طاهرين.

 ربي.. إن حلمك أطغى الظالمين فجاوزا كل منطق أو معقول، وأغراهم بالدعاة فبطشوا ونكلوا في غير ما تحرج ولا تأثم، وصالوا وجالوا فراعنة مستبدين..ولئن كان حلمك هذا قد أعلى من قدر الدعاة عندك وضاعف لهم الأجر والثواب، إلا أن الإنسان خلق من عجل فأحب العاجل من الخير في لهفة وعلى اشتياق إنك تضحك من شغفهم، تعلم أن فَرَجَهم قريب، فاغفر لهم استعجالهم النصر، واربط على قلوبهم.