الزهد في الخير
الزهد في الخير!!
لبنى شرف / الأردن
لو سألت وقلت : هل الزكاة مقصورة على زكاة المال فقط ؟ أليس هناك زكاة العلم ، وزكاة الوقت ، وزكاة الصحة .. ؟ بل إن كل نعمة أنعم الله بها على العبد لابد له من أن يزكيها شكراً لله عليها حتى يبارك له فيها ، وإلا سلبت منه ﴿...لئن شكرتم لأزيدنكم ...﴾ ...{ إبراهيم : 7 } . قال عليه و آله الصلاة والسلام : " إن لله أقواماً يختصهم بالنعم لمنافع العباد ، ويقرهم فيها ما بذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم ، فحولها إلى غيرهم " . فمثلاً ، من كانت لديه سيارة ، فليركب معه من لا سيارة له ، ومن كان لديه فضل مال فليعد على من لا فضل له ، ولا يمنعه طالبه ، فإن النبي الكريم ـ عليه و آله الصلاة و السلام ـ يقول : " من منع فضل مائه أو فضل كلئه منعه الله فضله يوم القيامة " .
فكيف يكون شكر نعمة المال ؟ إن الزكاة ، والتي هي ركن من أركان الإسلام ، وحدها لا تكفي ، فأبواب الخير كثيرة جداً ، ومن يحرص على الدرجات العلا لا يقتصر على باب واحد طالما باستطاعته طرق غيره من الأبواب ، والنبي عليه الصلاة و السلام يقول : " افعلوا الخير دهركم .. " . فكيف يكون فعل الخير من خلال المال ؟ .
يكون ـ وبعد أداء الزكاة المفروضة ـ بالصدقة ، قال عليه و آله الصلاة و السلام : " إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور ، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته " . ويكون بالإنفاق منه ، وعدم كنزه ومنع فضله ، قال عليه و آله الصلاة و السلام : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم ! أعط منفقا خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم ! أعط ممسكا تلفاً " ، وقال : " ويل للمكثرين ، إلا من قال بالمال هكذا ، وهكذا ، وهكذا ، أربع : عن يمينه ، وعن شماله ، ومن قدامه ، ومن ورائه " ، وقال : " ما من عبد مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله ، إلا استقبلته حجبة الجنة ، كلهم يدعوه إلى ما عنده . قلت : وكيف ذلك ؟ قال : إن كانت إبلاً فبعيرين ، وإن كانت بقراً فبقرتين " ، وقال : " يا معشر المهاجرين والأنصار ! إن من إخوانكم قوماً ليس لهم مال ولا عشيرة ، فليضم أحدكم إليه الرجلين أو الثلاثة " .
وأما زكاة العلم فتكون بتعليمه ونشره وعدم كتمه ، قال عليه و آله الصلاة و السلام : " مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به ، كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه " ، وقال : " معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحار " . وقال الإمام ابن حنبل : (( سبل العلم مثل سبل المال ، إذا ازداد ازدادت زكاته )) .
وأما زكاة الصحة والوقت ، فبابها واسع جداً ... قال عليه و آله الصلاة و السلام : " من يكن في حاجة أخيه ، يكن الله في حاجته " ، وقال : " كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس : يعدل بين اثنين صدقة ، ويعين الرجل على دابته فيحمله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ، ويميط الأذى عن الطريق صدقة " .
ومن زكاة الوقت ، أن تنفق من وقتك للإصلاح بين الناس ، يقول عليه السلام : " ألا أدلك على صدقة يحب الله موضعها ؟ تصلح بين الناس ، فإنها صدقة يحب الله موضعها " ، وقال : " ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة ، وصلاح ذات البين ، وخلق حسن " .
أيها الإخوة ، هذا غيض من فيض من أمثلة فعل الخير وبذل المعروف ، ومن لم يستطع فعل معروف ما ، استطاع غيره ، فالنبي عليه و آله الصلاة و السلام يقول : " على كل مسلم صدقة ، قيل : أرأيت إن لم يجد ؟ قال : يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق ، قيل : أرأيت إن لم يستطع ؟ قال : يعين ذا الحاجة الملهوف . قيل : أرأيت إن لم يستطع ؟ قال : يأمر بالمعروف أو الخير . قال : أرأيت إن لم يفعل ؟ قال : يمسك عن الشر فإنها صدقة " . إذن ، فابحث عن الباب الذي تستطيع أن تلجه ، ولا تحقرن من المعروف شيئاً ، فالنبي عليه و آله الصلاة و السلام يقول : " لا تحقرن شيئاً من المعروف أن تأتيه ، ولو أن تهب صلة الحبل ، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي ، ولو أن تلقى أخاك المسلم ووجهك بسط إليه ، ولو أن تؤنس الوحشان بنفسك ، ولو أن تهب الشسع " .
بعد هذا كله ، وبعد ذكر أبواب الخير الكثيرة هذه ، وما لفاعلها من الأجر والثواب ، يأتي السؤال : لماذا يزهد المسلمون في فعل الخير ؟!! لماذا ونحن نرى الفقراء والمساكين والمعدمين والمشردين ، والذين يسكنون في العراء ، والذين يموتون جوعاً ، والذين يموتون من البرد ومن الأمراض ؟ لماذا ، ونحن نرى من لا يدينون بالإسلام يساهمون بقدر كبير من أموالهم في المشاريع الخيرية !! .. فأين أنتم يا أغنياء المسلمين ، وأين هي أموالكم ، ولمن تكنزونها ، وحتى متى ؟؟!.
أترك الجواب لكل مسلم ، ليقف مع نفسه وقفة ، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم ، ولكني أريد أن أسوق هذا الحديث الشريف ، علني أستثير به همم القاعدين.
قال عليه و آله الصلاة والسلام : " بينا رجل بفلاة إذ سمع رعداً في سحاب ، فسمع فيه كلاماً : اسق حديقة فلان ـ باسمه - ، فجاء ذلك السحاب إلى حرة فأفرغ ما فيه من الماء ، ثم جاء إلى أذناب شرج فانتهى إلى شرجة ، فاستوعبت الماء ، ومشى الرجل مع السحابة حتى انتهى إلى رجل قائم في حديقة له يسقيها . فقال : يا عبد الله : ما اسمك ؟ قال : ولم تسأل ؟ قال : إني سمعت في سحاب هذا ماؤه : اسق حديقة فلان ، باسمك ، فما تصنع فيها إذا صرمتها ؟ قال : أما إن قلت ذلك ، فإني أجعلها على ثلاثة أثلاث ، أجعل ثلثاً لي ولأهلي ، وأرد ثلثاً فيها ، وأجعل ثلثاً للمساكين والسائلين وابن السبيل ".