عندما كنت هناك 2

صباح الضامن

[email protected]

انطلقت بي السيارة إلى الميقات

الدمع في القلب يتحاور بصمت حزين مع خفقات الشوق

دمع على فراق المدينة وشوق للقاء آخر

وعند الميقات بحثت لي عن مكان بين تلك الرؤوس التي أتت والأقدام التي تدافعت والعيون التي تعلقت باللقاء القريب

وتمنيت أن يفرد الطير جناحيه وأعتليه وحيدة بعيدة محلقة إلى هناك حيث سيتم اللقاء

ماذا نريد منك يا دنيا

أتلك البنايات الزائلة

أذلك الرنان الساحر بصوت يوسوس في النفوس حب تملك

أم ذاك الخدر المتواري خلف كل اقتناء ليظهر منبثقا يرفع سبابته مشيرا موجها لطريق قصير مبهر ينتهي بظلمة مرعبة !

أم نريد أمرا أعظم !!!!!

تحير الفؤاد لما نظر لكل غاد ورائح يسعى حثيثا للقاء عظيم ويتزين بغسول مطهر ويتطيب بمسك الحب وينسى فيضرب هذا ويقصي هذا ويدوس على هذا ظانا بأن اللقاء الفريد سيشفع له سقطاته .. فمن أجل اللقاء يكتسب الذنوب فيبتدع ويخطيء ويضيع لما يتعلق بالقشور فيتوه عنه الجوهر ..

وازدحمت في نفسي مشاعر خوف من هبات ريح الخطأ في عالمي

ومشاعر رجاء أن يلهمني ربي الصبر على الأذى الذي أرى من حولي والبدع التي تمارس فقد خشيت من ذهاب لحظة اللقاء وأنا أعيش لحظات قد تشوش علي توقي وتوحدي مع نفسي وهجران لكل ما يسلبها

لذة اللقاء .

وتيقظت مني أحاسيس , في كل مرة أرى فيها الكعبة ينتابني إحساس بالبكاء وتتدافع الدموع ترسم خط خوف من ذنوبي وأنا بحضرة الجلال والهيبة .

واليوم وما أن التقت النفس بالنفس واستسلمت الجوارح لهبات الريح الساخنة تقودني حيث هو حيث البيت , حيث السمو , حيث الحب لله .. تسمرت الأقدام وتخاشب مني السير فما عاد البدن يستطيع

المضي فالروح تسبقه وكأني رأيتها تطير محلقة لا تريد عوائق طينية وتحملها  أجنحة الشوق والرهبة والحب وأسير بسحر كبير وبسمات عظيمة فاليوم البكاء المنسدل من العيون تشرق عليه بسمات الفرح ليؤلفا قصة إشراق

فقد أشرقت الروح ..

وما كان لها أن تشرق إلا لأنها بين يدي الله

وماكان لها أن تبتسم إلا وقد ملأها الرجاء بالوعد بالمغفرة

وما كان لها أن تشرق إلا لأن الشوق الذي عمر القلب فتح فيها مدائن الإيمان

وما كان لها أن تشرق إلا لأنها طلبت المعية فأنست بالإجابة

وما كان لها أن تشرق إلا لأنها علمت أن اللقاء بالأعلى ينسي الأدنى

وما كان لها أن تشرق إلا لأنها وجدت الحل

ورسمت الحل في ورقها الأبيض ومن بين سطور المصحف لما قرأت

(( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ))

فياللقرب لما يسكن النفس فما وجد من قرب أعظم منه

ويا للقرب لما يوحد النفس المتشرذمة ويرمم صدعها ويشفي عللها

ويا للقرب لما يسعف الجريح ويداوي العليل ويسقي العطاش

فمن يظمأ بعد هذا لقاء !

فلا ظمأ لدنيا بل لديمومة لقاء به جل في علاه في بيته العظيم وتحت رحمته

وحيث كنت هناك كانت نفسي  .