ودق ناقوس الخطر
خليل الجبالي
الزواج آية من آيات الله يعظِّمها سبحانه وتعالي، والتوافق بين اثنين نعمة من الله يمنُّ بها علي من يشاء من عباده ، فبها ترفع رايات الأفراح، وتعم السعادة في قلوب الأحباب ، وتتكاتف الأيادي لإنجاز المطلوب، ويصب الممتلئ بالرضا علي الآخر حتي تتكافئ الرؤوس – وإن إختلفت في جوهرها – فالرضا والقناعة يجعلان العلاقة بين الزوجين حميمة قوية، لتسير المركب إلي الشطئان في أمان ، وبالقبول تنتهي الفوراق، وتصبح الحواجز التي بينهما كالجليد تذيبها حرارة العرس والدعاء بالتوفيق من الأهل نحو إقامة بيت سعيد مصحوباً بالرفاق والبنين.
أيها الزوجان حافظا علي الوفاق الذي صار بينكما ، والرضا الناتج عن القبول ببعضكما، وأذكرا نعمة الله عليكما بالزواج فهل من بعد آيات الله آية؟
- قد تفطر العلاقة بينكما ويصاب أحدكما أو كليكما بالملل والفطور ، فعودا إلي بداية حياتكما دائماً، فاملئا القلب بجهة وسرور، وإلا فيسحل مكانهما العبس والكأبة، ويزداد الفطور، فابحثا عن الفرحة والسعادة وخذا بالأسباب دون الإعتماد علي الآخر في الإنطلاق نحو السرور.
بشاشة الوجه ومقابلة الآخرين بالإبسامات حث عليهما نبينا الكريم صل الله عليه وسلم فقال: ( تبسمك في وجه أخيك صدقة) فأنتما أيها الزوجان أولي ببعضكما البعض ، فإياكما من العبس والكآبة فهما خفافيش الظلام إن حلَّ علي الوجه فلن يخرجا إلا بتشوية الشكل، فقد استعاذ النبي صل الله عليه وسلم منهما فقال ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)سنن أبي داوود.
- أنتما جزءان من الأهل ، فعليكما بالود وصلة الأرحام قبل فوات الآوان، والتراشق بالأقوال، وإنتهاء الآجال، فتزداد الفجوة بينكما ، ويغضب الرب من قطيعة أرحامكما، ويحل الشقاق في عشكما وإن تظاهرتما بين الأهل بالرضا والقبول.
فأحذرا قول الله تعالي في حديثه القدسي ( الرحم شققت لها اسماً من اسمي ، من وصلها وصلته ومن قطعها قطعته).
ومهما كان الخلاف بين الأهل فإياكما باستخدام الأولاد وسيلة للضغط أو تأكيداً للكره والنفور.
- جفاف العلاقة بينكما من جفاف الطاعة سوياً لله وحب العمل له والدعوة فيه، فأجعلا لكما طاعة تجمعكما في محراب الرحمن تصفوا بها القلوب، وتهدئ بها النفوس، فالقلوب الطائعة لربها ، الساجدة لخالقها، الذاكر لبارئها مطمئنة، والجود علي الأقارب ومن حولكما يمحو الذنوب ، فالطاعة تزيل الران من فوق القلوب (وأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) واصْبِرْ فَإنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ (115))سورة هود.
- تجنبا الخلاف والبعد عن تضخيم المشكلات، واسعا لحلها حفاظاً علي المشاعر التي تحابت فأخرجت أفضل ما عندها من معاني الحب والعطف والحنان ، فلا يبيتن أحدكما وفي صدره شيئ ، وإن حدث ذلك وتحاملت النفوس فلتصافا بينكما، فسلامة الصدر تجبر الكسر، وتعيد الود، وتدخل الجنان.
وإياكما والخوض في مشكلات أو خلافات في وجود الأولاد، فالهدم في النفوس أشد وأنكى من بناء الدنيا في الماديات.
- والحذر كل الحذر من خروج مشكلة مهما صغر حجمها، أوخف وزنها بعد عتبة البيت، فالجروح الداخلية يسهل إلتئامها ، فإن تفتحت من الخارج صار علاجها أصعب، ولن يعود الجسد علي ماكان عليه فهو إلي التشوية أقرب، ويحتاج إلي وقت وعناء وخاصة بعد تدخل أصابع أخرى لتساعد علي التمضيد وإن فلحت!.
- لينا الجانب لبعضكما، فلا تكونا كالجبال يصعب تسلقها ، وكونا كالجمال تخضع ظهورها ليمطاتها الصغير قبل الكبير، فما وضع اللين في شيئ إلا زانه، وما وضع الكبر في شيئ إلا شانه. فكونا باللين كاليدين تمسح بعضهما بعضاً، وتملس أحداهما علي الأخري حتي تنظفها وتطهرها .
- البخل يهدم القلوب قبل هدم البيوت، فاحذر أيها الزوج الحنون فأنت الراع عن رعاياك فمن أين لهما بالحاجات والأموال إن دب الشح في جيبك، وصار البخل من سماتك، فالجود والكرم من شيم الرجال، وعليك بحديث حبيبك محمد صل الله عليه وسلم ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب.
- الإسراف صفة الشيطان ، وهي تهدم المستقبل للأولاد وإن عاش المرء لحظة ترفٍ فسيعيش بعدها دهر من القحط وذلة في العيش بين الأهل والجيران، فاحذري أيتها الزوجة من الإسراف في الكماليات ، وقلب الأولويات والنظر إلي من حولك لتعيشي عيشة الأميرات وتندمي بعدها ندم العبيدات ، وسيأتي اليوم الذي تبحثين فيه عن مال بين يديك ولكن قد فات الآوان (وآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ والْمِسْكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ ولا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وإمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً (28) ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً (29) إنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ ويَقْدِرُ إنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30)) سورة الإسراء.
نصائحي إليكما أيها الزوجين الكريمين أدق بها ناقوس الخطر حتي لا تتفتت الأسرة ويدب الخلاف بينكما ، عسى الله أن يمنّ علي بيوت المسلمين بالحفظ والأمان والإستقرار.