رحلة ممتعة في أعماق سورة الأعراف 3
( بين الرجعيّة والتقدميّة )
د. فوّاز القاسم / سوريا
إن المجتمعات البشرية اليوم - بجملتها - مجتمعات جاهلية . وهي من ثم مجتمعات "متخلفة " أو "رجعية " ! بمعنى أنها "رجعت" إلى الجاهلية , بعد أن أخذ الإسلام بيدها فاستنقذها منها . والإسلام اليوم مدعو لاستنقاذها من التخلف والرجعية الجاهلية ، وقيادتها في طريق ( التقدم ) و "الحضارة " بقيمه وموازينه الربانية .
إنه حين تكون ( الحاكمية ) العليا لله وحده في مجتمع - متمثلة في سيادة شريعته الربانية - تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحرراً حقيقياً كاملاً من العبودية للهوى البشري ومن العبودية للعبيد . وتكون هذه هي الصورة الوحيدة للإسلام أو للحضارة - كما هي في ميزان الله - لأن الحضارة التي يريدها الله للناس تقوم على قاعدة أساسية من الكرامة والتحرر لكل فرد . ولا كرامة ولا تحرر مع عبودية الناس لعبيد مثلهم . . ولا كرامة ولا تحرر في مجتمع بعضه أرباب يشرعون ويزاولون حق الله في الحاكمية العليا ; وبعضه عبيد يخضعون ويتبعون هؤلاء الأرباب ...!
والتشريع لا ينحصر في الأحكام القانونية . فالقيم والموازين والأخلاق والتقاليد . . كلها تشريع يخضع الأفراد لضغطه شاعرين أو غير شاعرين ! . .
ومجتمع هذه صفته هو مجتمع ( رجعي متخلف ) . .
أو بالاصطلاح الإسلامي : ( مجتمع جاهلي ) !
وحين تكون ( آصرة التجمع ) ومنهج الحياة في مجتمع هي العقيدة والتصور والفكر. ويكون هذا كله صادراً من الله , لا من هوى فرد , ولا من إرادة عبد . فإن هذا المجتمع يكون مجتمعاً متحضراً متقدماً . أو بالاصطلاح الإسلامي : مجتمعاً ربانياً مسلماً . . لأن التجمع حينئذ يكون ممثلاً لأعلى ما في "الإنسان" من خصائص ، خصائص الروح والفكر ...
وأما حين تكون آصرة التجمع هي الجنس واللون والقوم والأرض . . . إلخ
فإنه يكون مجتمعاً رجعياً متخلفاً . . أو بالاصطلاح الإسلامي : مجتمعاً جاهلياً مشركاً ذلك أن الجنس واللون والقوم والأرض . . . .لا تمثل القيمة العليا في "الإنسان" .
فالإنسان يملك بإرادته الإنسانية الحرة أن يغير عقيدته وتصوره وفكره ومنهج حياته من ضلال إلى هدى عن طريق الإدراك والفهم والاقتناع والاتجاه .
ولكنه لا يملك أبداً أن يغير جنسه , ولا لونه , ولا قومه .
وبالتالي فالمجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة ، هو بدون شك أرقى وأمثل وأقوم من المجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمور خارجة عن إرادتهم ولا يد لهم فيها !
وحين تكون "إنسانية الإنسان" هي القيمة العليا في مجتمع ; وتكون "الخصائص الإنسانية " فيه موضع التكريم والرعاية , يكون هذا المجتمع متحضرا متقدماً . .
أو بالاصطلاح الإسلامي : ربانياً مسلماً . .
وأما حين تكون "المادة " - في أية صورة من صورها - هي القيمة العليا . .
فإن هذا المجتمع يكون مجتمعاً رجعياً متخلفاً أو بالاصطلاح الإسلامي : مجتمعاً جاهلياً مشركاً . .
إن المجتمع الرباني المسلم لا يحتقر المادة ، ولكنه لا يعتبرها هي القيمة العليا التي تهدر في سبيلها خصائص "الإنسان" ومقوماته ! كما تعتبرها المجتمعات الجاهلية الملحدة أو المشركة . .
وحين تكون القيم "الإنسانية " والأخلاق "الإنسانية " - كما هي في ميزان الله - هي السائدة في مجتمع , فإن هذا المجتمع يكون متحضراً متقدماً . . أو بالاصطلاح الإسلامي . . ربانياً مسلماً . .
أما حينما تكون ( المصالح الأنانية ) هي السائدة في المجتمع ، على حساب القيم والأخلاق والمباديء الإنسانية العليا ، فإن هذا المجتمع يكون مجتمعاً ( رجعيّاً ) و ( متخلّفاً ) حتى لو صعد بعض أبنائه إلى القمر ...!!!
فالمجتمعات التي تسود فيها القيم والأخلاق والنزعات الحيوانية , لا يمكن أن تكون مجتمعات متحضرة , مهما تبلغ من التقدم الصناعي والاقتصادي والعلمي!