صورتان من المروءة
قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
القصة التاسعة والثلاثون
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
قال
الأب لابنه : كن من أصحاب المروءة ؛ يا بني .
قال
الابن : وما المروءة يا أبتِ ؟
قال
الأب :
المروءة آداب نفسانية تحمل مراعاتُها الإنسانَ على الوقوف عند محاسن الأخلاق
وجميل العادات . من حازها كان رجلاً كاملاً ، ومؤمناً صادقاً ، لا يعرف من الشيم
إلا أحسنها ، ومن الحياة إلا أشرفها .
قال
الابن : جزاك الله خيراً ؛ يا والدي ، أفلا ذكرتَ لي بعض صورها ؟.
قال
الأب : لك ذلك يا ولدي الحبيب .
أما الصورة الأولى
: فقد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حق أخيه موسى عليه الصلاة والسلام .
قال
الابن : كلي آذان صاغية يا أبي ومعلمي ، فهاتها حفظك الله ورعاك .
قال
الأب :
رأى
عيسى عليه السلام رجلاً يسرق ، فألطف له في الكلام معاتباً ومعلماً ، ونبهه إلى أنه
يراه يسرق ... فما كان من الرجل إلا أنه أنكر فعل السرقة ، وأقسم بالله كذباً
ومَيْناً ، فقال : كلا ، والله الذي لا إله إلا هو ، ما سرقت .
إن
لفظ الجلالة عند أصحاب المروءة وأهل الإيمان مقدس ، فلا يتصورون أن يحلف به الإنسان
كاذباً ، وإن كانوا متيقنين من كذبه وسوء فعلته .
عندما سمع عيسى عليه السلام الرجل يقسم أنه لم يسرق تناسى تماماً هذا الأمر ، وقال
كلمته التي تلقفها الدهر ، وكتبها بأحرف من نور في سجل سيدنا عيسى ، فصارت خالدة
مدى الدهر :
" آمنْتُ بالله وكـذ ّبْتُ عيني "
قال
الابن : ما أعظم أهل المروءة ، وما أرهف إحساسهم !.
قال
الأب :
وصورة آخرى
رائعة تدل على دقيق شعورهم .
هذا
رجل كان في شبابه نبّاشاً للقبور ، يعتدي على حرمة الأموات ، فلما حضره الموت ،
وتذكر ما كان يفعله أوصى أهله ، فقال :
إذا
أنا مِتّ فاجمعوا لي حطباً كثيراً ، وأوقدوا فيه ناراً ، حتى إذا أكلت النار لحمي ،
وخلصَت إلى عظمي ، فأحرقَـَتـْه فخذوا عظامي ، فاطحنوها ، ثم انظروا يوماً حارّاً
شديد الرياح ، فاذ روه في اليم . ...ففعل أولاده ذلك .
إن
الله تعالى القادر على خلقه من نطفة جمعه ثانية ، فقال له : لِم فعلتَ ذلك ؟ .
قال
الرجل : من خشيتك يا ربّ ، لقد كان ذنبي عظيماً .
وعرف الله تعالى عميق إحساس الرجل بالذنب وخوفـَه من العقاب المرعب حين يقف أمام رب
العزة القادر على كل شيء ، فغفر له وتلقـّاه برحمته .
اللهم ؛ يا رحمن؛ يا رحيم ؛ يا غافر الذنب ، وقابل التوب ؛ ارحمنا إذا صرنا إليك ،
وتب علينا ، فررنا إليك من عذابك ، ولجأنا إليك من عقابك ، وأنت اللطيف الودود ..
أفر
إليك منك ، وأين إلاّ إليك يفر منك المستجيرُ
صحيح البخاري
كتاب بدء الخلق
باب
" واذكر في الكتاب مريم "