إلى ولدي مع التحية

هايل عبد المولى طشطوش

[email protected]

أي بني :

أستميحك عذرا لأني سوف اقتنص من وقتك الثمين بضع دقائق أزودك فيها بجزء من مخزون الأمانة التي أودعها الله في قلبي كي أدوعك إياها في ذات يوم من الأيام .

ولكن اعلم يا ولدي أني ما شئت أن اجعل نصيحتي لك مكتوبة إلا بعد أن أيقنت انك سوف تجعلها نبراسا لك تهتدي به في ظلمات الحياة ودروبها المعتمة كلما دق ناقوسها،.....عندها لعلك تخرجها من جيبك - إن تلطفت بحفظها – وتتزود من معينها بما قد يعينك على أن توقد شمعه خيرا لك من تبقى تلعن الظلام الذي تعيش فيه.

أي بني:

لقد حملتك في سويداء قلبي قبل تحملك شرايين ظهري لسنوات لا يعلم بها إلا خالق الأكوان ومصور الإنسان، وجعلتك منذ تلك الساعة للروح مهجتها ، وللنفس منيتها ، وللحياة ذخرها ، وللأيام عدتها .. وعندما جادت بك السماء علي سجدت شكرا للخالق الواحد الأحد وأقسمت عندها أن أمهد أمام مسيرك الدروب واذلل من طريقك الصعاب  ، وان أوقد لك الشموع حتى لو كان زيتها من عصارة دمي ....   .

ولدي العزيز:

ما أن حطت خطواتك الأولى على دروب الحياة حتى شعرت أن الدنيا كلها أصبحت أمامي دروب مفتوحة لا يغلق منها باب دوني، وعندما نهضت من كبوتك الأولى وسرت متقدما إلى الأمام نهضت أنا وكلي عزيمة وعزم ، وقوة وأمل ...وعندما انطلق لسانك بالأبجدية الأولى شعرت بالنور يشع من فمك الطاهر ليعلن اتصال السماء بالأرض فيوجب علي الشكر والثناء لخالق الأكوان رب السماء.

واليوم يا ولدي وقد شب عودك وقوي زندك وصرت يافعا كلك عنفوان وشباب.. أصبحت أرى فيك السند المتين والصديق المعين والفراش الوثير والخير الغزير وعدتي وعتادي للساعات الحالكات وللأيام القادمات.

لأجل هذا يا ولدي كان لزاما علي أن اعد العدة لذلك وأهيئك لقادم المبتغى الذي أريد، فوجدت من واجبي وبعد أن جاوز العمر في ربيعه وطوى الزمان مني أربعه من عقودة وخط الشيب مفرق ألهامه ، وبدأ الظهر مني يشكو ألآمه ، والجسد قد تنادت عظامه ،أن أزجي لك من النصح والقول الفصيح ما تجود به قرائح النفس ،فأقول :

أي بني :

عليك بالإيمان والخوف من الرحمن لأن في ذلك وقاية وحرز  لك من الشيطان فأن ذلك يبقيك في امن وأمان ما دمت بهذا الشأن ، وعود نفسك على العبادة ففيها راحة النفس وجزيل السعادة ، .. فأن كنت قد نسيت فأبدأ من ألان .

ولدي العزيز:

أنتقي من بني الإنسان ما يصلح أن يكون لك خير الخلان، ومعين لك على نوائب الدهر ومصائب الزمان ، وعون لك في ساعة عسرة وحرمان ،فأنتقي من الصديق من تلاقيه وقت الضيق ، ولا تقل عنه صديق إلا بعد أن ترافقه الطريق ، وسرك فلا يضيق به صدرك فينطلق ليحط في صدور الرجال فأن السر إذا جاوز الاثنين ذاع .

عليك بالأخلاق وخير الطباع فأنها تاج يزين هامتك ،ونور يغشى قامتك ،إن تحليت بها أكرمتك الرجال وهابتك رواسي الجبال وزادتك بهاء وجمال .

أي بني:

إن ما يبني الدور العاليات ،ويرفع قامتك كالجبال الشامخات ،هو العلم ،فهو نور وضياء وذخر وبقاء إلى أن يرث الأرض خالق السماء .

عليك بالعلم فهو من يرفع وضيع الرجال إلى مراتب السلاطين والأمراء ،فمن أبطاء به النسب نهض به الأدب ،فالعلم يبقى وما دونه يفنى ،لا تقدم المال على العلم فلا خير فيما قدمت على ما أخرت لان في ذلك شقاء وتعاسة وهمّ ، ولن تحصد من ذلك إلا الندم .

تعلم العلم  وعلمه ففيه الأجر الجزيل ،ومهنته عمل جليل ،لأن العلماء هم من يرثون الأنبياء ،رسالتهم نبيلة وسعادتهم طويلة .

ولدي العزيز:

إياك والجهل ،فلا تجالس من به اتصف ، حتى وان على بابك وقف ،لان في جداله ندم طويل ولا يأتي من طرفه إلا شر وبيل .

عليك بالاحترام والتوقير، لكل شيخ كبير ، لأنك تفرش بذلك لنفسك الفراش الوثير فلا بد لكل لجسد أن يشيخ ويحتاج عندها إلى النصير ،ارحم الصغير ، ولا يكن بك عليه غلظه لأن انفضاض الناس من حولك إنما هو بالغلظة ،واستبدلها بالمرحمة لأنك بها تنال من خالقك الرحمة .

أي بني :

لا تكثر من الطعام حلوة ومرة، لأن في ذلك شقاء ومضرة ،فمهما كان في فمك حلو مذاقه عليك أن تعرف نهايته ومقامه ، فلا تبخل به عن كل محتاج وجائع فلا يفعل ذلك من كان لربه طائع ، فليس في ذلك لا مغنم ولا مطامع ،وأوصيك ان لا تكون للمال ذليلا وبه طامع ،عندها تصير عبدا مملوكا وللناس خانع.