الصلاة ... قرة عين رسول الله
( صلى الله عليه وسلم )
فياض العبسو
يقول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم:
" الصلاة صلة العبد بربه "..." الصلاة معراج المؤمن "..." الصلاة نور ... والصبر ضياء "
والصلاة عمود الدين .. وركنه الركين.. والصلاة نور.. وغذاء للأرواح وشفاء ...
والصلاة دعاء ومناجاة.. ومن أراد أن يناجي الله تعالى فليدخل في الصلاة ومن أراد أن يناجيه الله تعالى ويتكلم إليه فليقرأ القرآن الكريم ...
تكلم الله فليصغي الوجود له الله من عرشه الأعلى ينادينا
( يأيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلوة إن الله مع الصبرين )
( ) ....
الصلاة قرة عين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إذ يقول صلوات الله وسلامه عليه:
" حبب إلي من دنياكم: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة "...
وكان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ،ويقول لمؤذنه بلال رضي الله عنه:
أرحنا بها يا بلال ... .
وليس أرحنا منها ... كما يتمنى البعض اليوم ...
وآخر وصية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصلاة الصلاة وما ملكت إيمانكم " ...
وفي الحديث الشريف: " لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ، ولا صلاة لمن لا طهور له ، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد "
و " أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة ، الصلاة ، فإن صلحت فقد فاز ونجح وإن فسدت فقد خاب وخسر "... كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ...
ولو لم تكن الصلاة رأس العبادات لعدت من صالحة العادات.. رياضة أبدان وتهذيب وجدان.. تنمي الفضائل وتقوي النفس وتطهر الحس.. يسبقها الوضوء وهو طهارة وله في الوجه بهاء ونضارة.. والصلاة تعلم العزة والتواضع ولم لا؟ والكل لله خاشع وراكع..
أصحاب الصلاة صابرون وفي الدنيا مثابرون.. وعلى أداء الواجب قادرون.. عودتهم مراقبة الله وعلمتهم الحب والمساواة.. إنها عمود الإسلام وداعية الوحدة والنظام.. انظر إلى الجماعة وقد تخلى الجميع عن قناعه.. وحارب نفسه وهواه وهرول إلى ربه ومولاه.. هنا يتعلم السمع والطاعة فتلزم نفسه الرضا والقناعة.. فهنيئاً لمن أداها وحفظها ورعاها..
مشروعية الصلاة:
الصلاة أول فريضة فرضها الله علينا في ليلة الإسراء والمعراج ...
وهي الفريضة الوحيدة التي تلقاها النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه مباشرة ...
قال الله تعالى: ( وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة ) ... وقال سبحانه: ( إن الصلوة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ) أي فرضاً محدداً بأوقات معينة ... وأمرنا الله تعالى بالمحافظة على الصلاة ... بقوله عز وجل: ( حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وقوموا لله قانتين ) ...
وفي الحديث الشريف: " من حافظ على الصلاة كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ على الصلاة لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة ... وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف " أئمة الكفر والضلال ...
ومن حافظ على صلاته فإنها تلف بثوب نظيف وتفتح لها أبواب السماء وتقول: حفظك الله كما حفظتني ... ومن لم يحافظ على صلاته فإنها تلف بثوب خلق بال ويضرب بها وجه صاحبها وتقول له: ضيعك الله كما ضيعتني ... نسأل الله العافية والقبول ...
( ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) ...
الخشوع في الصلاة:
الخشوع روح الصلاة ... وفي الحديث: " ليس للمصلي من صلاته إلا بقدر ما عقل منها "...
والصلاة الخاشعة هي الصلاة النافعة ...
قال صلى الله عليه وسلم: " أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع في الصلاة حتى لا ترى فيها خاشعاً "...
ومما يساعد على الخشوع:
الاستعداد للصلاة بشكل جيد ...
استحضار عظمة الله تعالى ...
والوقوف بين يديه بأدب وخشوع ... وكان زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
إذا وقف بين يدي الله للصلاة ، ارتعد واصفر لونه ، فقيل له في ذلك: فقال: أتدرون بين يدي من أقف ومن أناجي ؟!! سبحانه وتعالى ...
وأن يصلي صلاة مودع ... لحديث: " وصل صلاة مودع " ...
التفكر في معاني الآيات التي يقرؤها ... ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) ...
صرف الخواطر والوساوس عن نفسه ... وعدم الاندماج والاسترسال معها ...
عدم التدخل فيما لا يعني ... لحديث: " ; من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه " ...
الصلاة في حياة السلف الصالح رحمهم الله تعالى:
كان سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى محافظين على الصلاة جماعة في وقتها دون تأخير ...
وكان إذا فاتت أحدهم تكبيرة الإحرام يعزونه ثلاثة أيام أما إذا فاتته الصلاة مع الجماعة فيعزونه سبعة أيام بقولهم: ليس المصاب من فقد الأحباب إنما المصاب من حرم الثواب ...
وكان أحدهم إذا أراد أن يدق مسماراً في جدار وسمع صوت المؤذن ترك ذلك إلى ما بعد الصلاة ... وكان أحدهم خارج الصلاة كأنه في صلاة ... هكذا حياة المسلم ...
ومرة كان الصحابيان الجليلان: عمار بن ياسر وعباد بن بشر رضي الله عنهما يتناوبان على حراسة ثغر من ثغور المسلمين ... وبينما كان عمار نائماً وعباد يحرس المسلمين ... أراد عباد أن يناجي ربه فدخل في الصلاة ... حيث الخشوع والإخلاص بعيداً عن أعين الناس ... وبينما هو كذلك في ليلة مقمرة ... إذ خرج عليهم رجل مشرك فرآه يصلي ... فسدد سهماً فأصابه في ذراعه ... وعباد مستمر في صلاته لا يقطعها ... فسدد ذاك المشرك سهماً ثانياً في ذراعه الأخرى ... ثم في ظهره ... فسال دمه ... وهو يصلي ... يقول عباد: والله لولا خوفي أن يؤتى المسلمون من قبلي لما قطعت الصلاة ... فأيقظ عماراً لذلك ...
لأنه كان في لذة عجيبة لذة العبادة وحلاوة العبادة التي لو علمها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف كما قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى ...
التابعي الجليل عروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة المنورة رحمه الله تعالى ... عندما أرادوا أن يقطعوا رجله ... طلبوا منه أن يتعاطى مخدراً حتى لا يشعر بالألم ... ومعلوم أن ذلك يجوز للضرورة ... ولكنه أبى ذلك ورعاً منه وتقوى ... وقال لهم: أعوذ بالله أن أستعين بمعصية الله على ما أرجوه من العافية ... إنه لا يريد أن يغفل عن الله تعالى ... قال لهم: دعوني أصلي ثم افعلوا ما بدا لكم ... وحقاً ... فإنه كبر ودخل في الصلاة وبتروا ساقه بمنشار
ثم وضعوا رجله في زيت مغلي حتى ينقطع الدم ... وهو يصلي ... ويقول: أح أح ثم أغمي عليه ... فلما أفاق قال لهم: قربوا لي ساقي ... فأخذ يقلبها ويقول: الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصيته ... ما مشيت بك إلا إلى المساجد في الظلم ... وزيارة الإخوان والأرحام ... ثم قال: الحمد لله على كل حال ... لئن أخذ الله فكثيراً ما أعطى ولئن ابتلى فكثيراً ما عافى ...
وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ... إذا وقف أحدهم في الصلاة فكأنه الوتد ... حتى يقع الطائر على رأسه من طول القيام ... وكان أحدهم ربما لا يعرف من يصلي بجانبه ...
وسئل العابد الزاهد حاتم الأصم رحمه الله تعالى ... كيف تصلي ؟ فقال:
أقف بالخشوع وأكبر بالعظمة وأركع بالخضوع وأسجد وأطمئن في صلاتي ... وأتصور الصراط أمامي وملك الموت خلفي والجنة عن يميني والنار عن شمالي وأسلمها بالإخلاص ولا أدري هل قبلت مني أم لا !!!
صلاة الجماعة
يقول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ ( الفرد ) بخمس وعشرين درجة ... وفي رواية: بسبع وعشرين درجة ...
ولا صلاة لجار المسجد إلا بالمسجد ... وهو كل من يسمع النداء ... ومن سمع النداء فليجب .
وقال صلى الله عليه وسلم: " بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة " وقال عليه الصلاة والسلام: " ; إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان " ... فالصلاة دليل الإيمان ... " ومن شهد له أربعة بالإيمان أدخله الله الجنة ، قلنا: وثلاثة يا رسول الله ؟ قال: وثلاثة ، قلنا: واثنان يا رسول الله ؟ قال: واثنان ، ثم لم نسأله عن الواحد "
وقد ألف كل من الدكتور فضل إلهي والدكتور غانم السدلان كتاباً عن فضل صلاة الجماعة ...
فوائد الصلاة
للصلاة فوائد دينية وأخلاقية وروحية ونفسية وصحية واجتماعية ... وقد ألف الدكتور فارس علوان الحلبي كتاباً بعنوان: وفي الصلاة صحة ووقاية ( جزءان ) طبع دار السلام بالقاهرة .
وكذلك ألف الدكتور توفيق علوان كتاباً بعنوان: الصلاة ودوالي الساقين ...
تارك الصلاة
يا تاركاً لصلاته إن الصلاة لتشتكي = وتقول في أوقاتها الله يلعن تاركي
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة " وقال عليه الصلاة والسلام: " العهد الذي بيننا وبينهم أي المنافقين ... الصلاة فمن تركها فقد كفر " ... ولم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعليهم وسلم يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة ... وقال فاروق الإسلام العبقري الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه:
لا حظ في الإسلام لمن ضيع الصلاة ... فمن ترك الصلاة عمداً وجحوداً فقد كفر جهاراً ...
أما من تركها كسلاً وتهاوناً فهو فاسق عاص ... ويجب عليه أن يتوب ويصلي ...
وقد فصل الإمام القيم ابن القيم رحمه الله تعالى القول في تارك الصلاة وذلك في كتابه
الذي ألفه عن الصلاة ...
تعليلات باطلة
يقول بعض الناس ممن لا يدركون حقائق الأشياء ولا معاني الأمور ... من ذوي الفكر السطحي والمسموم ...
إذا كانت ( الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) فلا داعي للصلاة لمن كانت أخلاقه حسنة!!!
وإذا كانت الصلاة رياضة ... فلا داعي للصلاة لمن يمارس الرياضة !!!
يا سبحان الله ... فهم عجيب ... وتزيين للباطل ... زين لهم الشيطان أعمالهم ... فأضلهم وأعمى أبصارهم ...
حقاً وصدقاً ... إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ... كما ذكر الله تعالى ذلك في محكم تنزيله العزيز ... وفي الحديث الشريف: " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً " ...
ولاشك أن الصلاة فيها أنواع كثيرة من الرياضة: قيام وقعود وركوع وسجود ...
وفي هذا تنشيط للدورة الدموية وأعضاء البدن ...
ولكن فوق هذا وذاك ... فإن الصلاة فريضة فرضها الله علينا وتعبدنا بها... وفيها حكم كثيرة وفوائد جمة ... ولا يجوز بحال من الأحوال ترك الصلاة أو التهاون بها ... اللهم إلا في حالتين: الجنون والحمد لله على نعمة العقل ... وأثناء الدورة الشهرية للمرأة والحمد لله الذي خلقنا رجالاً ... أما غير ذلك فلا تسقط الصلاة عن المسلم المكلف من حين سن التكليف وحتى وفاته ... قال الله تعالى: ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقينين ) ... أي الموت .
وقد قال الله تعالى حكاية عن المجرمين أصحاب النار:
( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنْ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنْ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) ) ... سورة المدثر .
فشبههم الله تعالى ، بالحمير الخائفة المذعورة من الأسد .
وكما قال الله تعالى: ( أولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ) ... لأنهم انحدروا بشهواتهم وانحطوا إلى مرتبة البهائم ولم يرتقوا بعقولهم وإيمانهم إلى مرتبة الملائكة عليهم السلام ...
( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحب السعير ) ... وقال عز وجل:
( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً إلا من تاب ... )
اللهم تب علينا وعافنا واعف عنا ... ولندعوا بدعاء أبي الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام:
( رب اجعلنى مقيم الصلوة ومن ذريتى ربنا وتقبل دعاء ) ...
هذا وبالله التوفيق وهو الهادي إلى أقوم طريق ... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...
كتب في الصلاة ...
وقد ألف الشيخ رشيد الراشد التادفي الحلبي رحمه الله كتاباً بعنوان: الخشوع في الصلاة ...
كما ألف العلامة الشيخ أحمد القلاش الحلبي المجاور في المدينة المنورة على ساكنها الصلاة والسلام كتاباً بعنوان: الصلاة النافعة هي الصلاة الخاشعة ...
كما ألف الدكتور محمد لطفي الصباغ الدمشقي حفظه الله كتاباً بعنوان: الخشوع في الصلاة ة
وألف الشيخ فؤاد زمرلي كتاباً بعنوان: كيف تخشع في الصلاة ؟...
وألفت إحدى الأخوات رسالة بعنوان: كيف تخشعين في الصلاة ؟
وهناك محاضرة طيبة للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان الحلبي ثم القطري حفظه الله ...
بعنوان: الخشوع في الصلاة ...
قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم للشيخ محمد أديب كلكل الحموي حفظه الله ...
الرحمة المهداة في فضل الصلاة للشيخ يوسف النبهاني رحمه الله ...
الصلاة مكانتها ومنزلتها في الإسلام للشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله ...
أسرار الصلاة ومهماتها للإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله ...