في الحب-5
في الحب
(5)
الشوق
عبد المعز الحصري
الشوق ثمرة من ثمار المحبة فان من أحب شيئا اشتاق اليه ، قال بعض العارفين "من اشتاق الى الله اشتاق اليه كل شيء "قلت: حين يكون الشوق صادقا ومن القلب نبثه خالصا نقيا صافيا للآخرين فتتعارف الأرواح وتتعانق وتثور الشجون وترتسم متدافعة على الشفاه الابتسامات كالأمواجالهادئة اللطيفة التي تدغدغ السباح وكأنه الطفل الوديع وهي-الأمواج – كالأم الحنون ترفع به عاليا ليعود اليها فيزداد تعلقهما ببعضهما كلما ابتعدا ليلتقيا من جديد وهما في حالة البعد على موعد قريب جدا وهكذا الشوق في القرب والبعد لايزول كما قال بعضهم فليكن الشوق الى الله عزنا ومجدنا ورفعنا الى عليين " وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون " القرآن الكريم ، -- -------وفي الحديث (أسألك اللهم الرضى بعد القضاء ،وبرد العيش بعد الموت ،ولذة النظر الى وجهك ، وشوقا الى لقائك ) وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الامام أحمد في مسنده وابن حبان والحاكم في صحيحهما "أسالك لذة النظر الى وجهك والشوق الى لقائك في غير ضراء مضرة وفتنة مضلة " صحيح رواه النسائي(3/54)والحاكم (1/524) وابن حبان (3/1968) وأحمد (4/264) منقول من الصفحة 79 من كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين ابن قيم الجوزية وقد كنت أسمع هذين الحديثين في دعاء سيدي الوالد الشيخ احمد الحصري- رحمه الله والمسلمين- في كثير من دعائه عند نهاية دروسه في الجامع الكبير (معرة النعمان ) .
قال أبو القاسم القشيري :سمعت الأستاذ أبا علي يقول في ( قوله ) صلى الله عليه وسلم "أسألك ..الشوق الى لقائك " قال كان الشوق مائة جزء فتسعة وتسعون له وجزء متفرق في الناس فأراد أن يكون ذلك الجزء له أيضا فغار أن تكون شظية من الشوق لغيره ،قال وسمعته يقول :في قول موسى عليه الصلاة والسلام "وعجلت اليك رب لترضى " طه 84 قال معناه شوقا اليك فستره بلفظ ( الرضا ) وهذا أكثر مشايخ الطريق يطلقونه ولايمتنعون منه ،من كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين .ابن قيم الجوزية .
قلت لايكون الشوق الا عن محبة ،وصدق المحبة تثمر العبادة بدرجة الاحسان فهو يعبد الله كأنه يراه فيزداد شوقا للقرب الوصال واللقاء والمشتاقون الى الله يفهمون معنى قوله تعالى ( وسارعوا ...، سابقوا ....، قليتنافس المتنافسون ..، فاذا فرغت فانصب ...،وعجلت اليك رب لترضى ، فاسعوا .) ويفهمون معنى قوله تعالى (فامشوا في مناكبها ...)ويعرفون حقيقة الفرق بين المشي والمسارعة والمسابقة ومثال ذلك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لمّا خيّرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بين الحياة الدنيا وزينتها وبين الله ورسوله فاخترنّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وقد كان أحدهم _من المؤمنين الذين فهموا المسارعة _ حدادا يصنع الحديد فاذا رفع المطرقة وسمع قول المؤذن الله أكبر ترك المطرقة وقام الى الصلاة
وفي التوراة يقول الله تعالى " طال شوق الأبرار الى لقائي وأنا اليهم أشد شوقا "
وورد في الاثر (انّ لي عبادا من عبادي يحبوني وأحبهم وأشتاق اليهم ويشتاقون اليّ ويذكروني وأذكرهم )
،وقالت طائفة من أهل العلم أن الشوق يزداد باللقاء ، ولهذا صد ق القائل
وأعظم مايكون الشوق يوما اذا دنت الديار من الديار
وقال غيره
بكل تداوينا فلم يشف مابنا على أن قرب الدار خير من البعد
وقال آخر
ما يرجع الطرف عنه عند رؤيته حتى يعود اليه الطرف مشتا قا
قلت :قد يكون الشوق منتهاه عند اللقاء وهذا عند من لم يعرف الحب الحقيقي ، أما الاشتياق فهو أبلغ عند بعضهم ولايزول باللقاء فان القرب من الحبيب لذة لاتغيب عن الذواقين للحب والشوق والقرب وفي هذا تجتمع عند المحب اطمئنان القلب مع قرة العين وقد كانت الصلاة قرة عين النبي محمد صلى الله عليه وسلم واطمئنان قلبه الشريف لأن بذكر الله تطمئن القلوب "ألا بذكرالله تطمئن القلوب " القرآن الكريم
ان الله يحب المتقين ويحب المحسنين ويحب التوابين والمتطهرين 000 وجعل لنا في كل يوم نداء الشوق ليكون اللقاء في بيت من بيوت الله ونداء الشوق هو الله اكبر ... حي على الصلاة حي على الفلاح ...ومن محبة الله لعباده انه سبحانه وتعالى يتنزل كل ليلة في الثلث الاخير فالله هو الودود الذي يتودد الى عباده باغداق النعم عليهم وستره لهم قال ذو النون المصري (ان المؤمن اذا آمن بالله واستحكم ايمانه خاف من الله فاذا خاف من الله تولدت من الخوف هيبة الله فاذا سكنت درجت الهيبة قلبه دامت طاعته لربه فاذا اطاع تولد من الطاعة الرجاء فاذا سكنت درجة الرجاء تولد من الرجاء المحبة فاذا استحكمت معاني المحبة في قلبه سكنت بعدها درجت الشوق فاذا اشتاق اداه الشوق الى الانس بالله وأطمأن الى الله فاذا اطمأن الى الله كان ليله في نعيم ونهاره وسره وعلانيته في نعيم
والحج نداء شوق آخر وكل نداء يطلبك الله فيه لتكون قريبا منه هو شوق لانه يريدك ان تتقرب منه لانه يحبك فهو ارحم بنا من امهاتنا وآبا ئنا ،فقد يطلبك الله عند المريض والجائع والله يحب اغاثة اللهفان
صفات المشتاقين :
يحبون الله ويشتاقون اليه ويجالسونه –أنا جليس من ذكرني – ويسمعون الى كلامه – " واذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون"- واذا أرادوا ان يكلمهم الله فتحوا كتاب الله فقرواقوله لهم "ياأيها الذين آمنوا ....." وهم في معية الله أينما حلوا أو ارتحلوا – ويدخلون عليه –في صلاتهم – ولايغيب ذكره عن لسانهم (لايزال لسانك رطب بذكر الله ) ويذكرونه بقلوبهم الذكر الخفي ،ويقفون بين يديه ،ويهجرون لذة المنام " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالاسحارهم يستغفرون " ويحبسون جوارحهم له ويصومون صوم خواص الخواص (وهو صوم القلب عما سوى الله ) كما قال الغزالي رحمه الله ، فلا يكادون يخرجون من المساجد حتى يعودون اليه وهم خارج المسجد كالسمكة عند ما تقفزخارج الماء لتعود اليه في اللحظة لأنها تعلم أن حياتها في الماء
علامات المشتاقين
يراعون الظلال بالنهار كما يرعى الراعي الشفيق غنمه ،ويحنون الى غروب الشمس كما تحن الطير الى أوكارها عند الغروب، فاذا جن الليل واختلط الظلام وفرشت الفرش وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا أقدامهم وافترشوا وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوني بانعامي فبين صارخ وباك وبين متأوه وشاك وبين قائم وقاعد وبين راكع وساجد ،بعيني مايتحملون من أجلي وبسمعي ما يشكون من حبي . من كتاب مختصر منهاج القاصدين للقشيري