دروس وعبر من ملحمة أحد الخالدة 3
دروس وعبر من ملحمة أحد الخالدة
الحلقة الثالثة
د. فوّاز القاسم / سوريا
وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر الفاسق . وكان يسمى "الراهب" فسماه رسول الله (صلى الله عليه وسلم )"الفاسق" . وكان رأس الأوس في الجاهلية . فلما جاء الإسلام شرق به , وجاهر رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] بالعداوة , فخرج من المدينة , وذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم ( ويحضهم على قتاله . ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه ومالوا معه . فكان أول من لقي المسلمين . فنادى قومه , وتعرف إليهم . فقالوا له : لا أنعم الله بك عينا يا فاسق ! فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر ! ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا .
ولما نشب القتال أبلى أبو دجانة الأنصاري بلاء حسنا . هو وطلحة بن عبيد الله , وحمزة بن عبد المطلب , وعلي بن أبي طالب , والنضر بن أنس , وسعد بن الربيع
وكانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار ; حيث قتل من هؤلاء سبعون من صناديدهم . وانهزم أعداء الله وولوا مدبرين . حتى انتهوا إلى نسائهم . وحتى شمرت النساء ثيابهن عن أرجلهن هاربات !
فلما رأى الرماةُ هزيمة المشركين وانكشافهم , تركوا مراكزهم التي أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ألا يبرحوها . وقالوا: يا قوم , الغنيمة ! الغنيمة !
فذكرهم أميرهم عهد رسول الله [ ص ] فلم يسمعوا , وظنوا أن ليس للمشركين رجعة ! فذهبوا في طلب الغنيمة , وأخلوا الثغر في أحد !
عندئذ أدركها خالد , فكر في خيل المشركين فوجدوا الثغر خاليا فاحتلوه من خلف ظهور المسلمين . وأقبل المنهزمون من المشركين حين رأوا خالدا والفرسان قد علوا المسلمين , فأحاطوا بهم !
وانقلبت المعركة , فدارت الدائرة على المسلمين , ووقع الهرج والمرج في الصف , واستولى الاضطراب والذعر , لهول المفاجأة التي لم يتوقعها أحد . وكثر القتل واستشهد من المسلمين من كتب الله له الشهادة . وخلص المشركون إلى رسول الله [ ص ] وقد أفرد إلا من نفر يعدون على الأصابع قاتلوا عنه حتى قتلوا . وقد جرح وجهه [ ص ] وكسرت سنه الرباعية اليمنى في الفك الأسفل . وهشمت البيضة على رأسه . ورماه المشركون بالحجارة حتى وقع لجنبه , وسقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق قد حفرها وغطاها ! يكيد بها المسلمين . وغاصت حلقتان من حلق المغفر في وجنته .
وفي وسط هذا الهول المحيط بالمسلمين صاح صائح : أن محمداً قد قتل . .!!!
فكانت الطامة التي هدت ما بقي من قواهم , فانقلبوا على أعقابهم مهزومين ، لا يحاولون قتالا , مما أصابهم من اليأس والكلال !
ولما انهزم الناس لم ينهزم أنس بن النضر - رضي الله عنه - وقد انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار قد ألقوا بأيديهم ! فقال:ما يجلسكم ? فقالوا:قتل رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] فقال:فما تصنعون بالحياة بعده ? فقوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] ثم استقبل المشركين ولقي سعد بن معاذ فقال:يا سعد واها لريح الجنة إني أجدها من دون أحد ! فقاتل حتى قتل . . ووجد به بضع وسبعون ضربة .
وأقبل رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] نحو المسلمين . وكان أول من عرفه تحت المغفر , كعب بن مالك . فصاح بأعلى صوته:يا معشر المسلمين . أبشروا . هذا رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] فأشار بيده:أن اسكت . واجتمع إليه المسلمون . ونهضوا معه إلى الشعب . وفيهم أبو بكر وعمر والحارث بن الصمة الأنصاري وغيرهم . . فلما امتدوا صعودا في الجبل أدرك رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] أبي بن خلف على جواد له اسمه العود . كان يطعمه في مكة ويقول:أقتل عليه محمدا . فلما سمع بذلك رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] قال:بل أنا أقتله إن شاء الله . . فلما أدركه تناول [صلى الله عليه وسلم ] الحربة من الحارث وطعن بها عدو الله في ترقوته . فذهب يخور كالثور . وقد أيقن أنه مقتول . كما قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] من قبل ! ومات بالفعل في طريق عودته !