طاووس بن كيسان

أ.د/محمد أديب الصالح

طاووس بن كيسان*

الدكتور محمد أديب الصالح

هو أبو عبد الرحمن بن كيسان من أكابر التابعين وأول الطبقة من أهل اليمن ... توفي رحمه الله بمنى أو بالمزدلفة سنة خمس ومائة للهجرة .

تقرأ سيرته فيشدك ما ترى من العلم والعمل والزهادة في الدنيا والتقشف في العيش والإكثار من العبادة والتبتل ... إلى الصحابة رضوان الله عليهم حيث تجد فيه نهجهم ... وتلمس في سلوكه وفهمه لدين الله طريقتهم في أخذهم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ... فقد أخذ نفسه بميزان الأمانة في العلم والإخلاص في العمل ...

والخوف من الله مخافة أراحته من عناء الدنيا والتطلع إلى زخرفها ... ووحد الوجهة ... فعمل بصدق لله ... وأحسن الأدب في الوقوف عند بابه فكفاه الله مؤونة الوقوف على باب عباده من الأغنياء أو الأمراء وصدق فيه قول أهل المعرفة : اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها ...

ثم إنه كان لا يخاف في الله لومة لائم ، ومواقفه مشهورة مذكورة في الصدع بالحق حيث وجب ذلك. ويأبى لورعه القرب من السلاطين وأعوانهم . قال سفيان بن عيينة : اجتنب السلطان ثلاثة : أبو ذر وطاووس والثوري .

وكان من آثار ذلك ما نجد في شذرات من حياته المملوءة بجلائل الأعمال والفضائل ... فقد طال عمره وحسن عمله ... وقدم لنفسه ولأمته الخير الكثير من علم وربّى بالقدوة الحسنة والكلمة الطيبة والتي تشهد لها نصوص الكتاب والسنة وينير سبيلها إلى القلوب وفاء بالعهد وإخلاصاً لا تشوبه شائبة . والاستمساك بأهداب هذا الدين القويم ... صنيع من حمل عنهم هذا الدين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

حدث أبو عبد الله الشامي قال : أتيت طاووساً فخرج إليّ ابنه وهو شيخ كبير.. فقلت : أنت طاووس ؟ فقال : أنا ابنه ، قلت : فإن كنت ابنه فإن الشيخ قد خرف !! فقال : إن العالم لا يخرف ، فدخلت عليه ، فقال لي طاووس : سل وأوجز ، قلت : إن أوجزت أوجزت لك ، قال : تريد أن أجمع لك في مجلسي هذا ، التوراة ، والإنجيل ، والزبور، والفرقان ؟ قلت : نعم ، قال : (خف الله تعالى مخافة لا يكون عندك معها شيء أخوف منه ، وارجه رجاء هو أشد من خوفك إياه ، وأحب للناس ما تحب لنفسك).

أرأيت إلى هذا الإيجاز الجامع ما أبلغه ... فإذا تصورنا بعقل المؤمن وقلبه ما تعنيه هذه الوصية لرأيناها تجمع أطراف علاقة العبد بخالقه عز وجل ، وعلاقته بنفسه ، ثم بإخوانه المؤمنين ... ولا بدع فطاووس يغترف من بحر النبوة بما تلقى من حقائق العلم وسلامة العمل عن أولئك الذين عاشوا في متنزل الوحي ... وتربوا على الذي أراده لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام .

ومن هذا المعين الصافي خرجت هذه الكلمات التي يقولها العظماء .. قال عطاء رحمه الله : جاءني طاووس فقال لي : (يا عطاء إياك أن ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه ، وجعل دونك حجاباً ، وعليك بطلب حوائجك إلى من بابه مفتوح إلى يوم القيامة ، طلب منك أن تدعوه ووعدك بالإجابة) رحمه الله وأجزل مثوبته ، لقد أخذ نفسه بهذا قبل أن يوصي به الآخرون فكان عند قوله تعالى :

[وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون](1) . وقوله صلى الله عليه وسلم : \" وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ...\"(2).

والحمد لله رب العالمين .

الهوامش :

*حضارة الإسلام السنة 21 ـ 12 /1400 الأعداد 8 ـ 10 .

(1) سورة البقرة : 185 .

(2) من حديث طويل أخرجه الترمذي رقم 2518 في صفة القيامة ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وقال حديث حسن صحيح وأخرجه الإمام أحمد سند رقم 2669 ، 2763 ، 2804 وهو حديث صحيح .