تذكرة ليلة القدر – وزكاة الفطر
تذكرة ليلة القدر – وزكاة الفطر
عبد الباسط الحصري
الحمد لله رب العالمين الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين , اللهم صلي على سيدنا محمد صلاة ً ترضيك وترضى بها عنا , اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
أيها الأخوة الأكارم أيتها الأخوات الفاضلات ,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الدنيا قطار : إننا في هذه الدنيا ركاب قطار وإن لكل منا محطة معلومة وزمنا ً محددا ً لا يُخلِفه ولقد أُودعنا في قطار الحياة دون أن نستشر وننزل منه دون أن نستشر وَنُوضعُ في أطباق الثرى رغم أنوفنا ونُبعثُ كذلك , هل تفكرنا في هذه الحال وهل أيقنا أنا لا نملك حالنا وأن دوام الحال من المحال , هل نستطيع ايقاف مرحلة الشباب ؟ فمن يملك حالنا ؟ أليس هو الله مالك الملك وهو على كل شيء قدير وبيده ملكوت كل شيء .
محطات : أيها الأخوة من منا يود أن ينزل من قطاره في محطة خاوية على عروشها قد ألِفَها الجان وسكنتها الثعابين والوحوش الضارية لا ماء ولا شجر ولا أنيس وإنما هي نار تتلظى , فهل أحد يود أن ينزل في هذه المحطة أو حتى يمر بها ؟ّ! من منا لا يود أن تكون محطة عامرة بالخير والجمال والأنس وفيها ما يشتهيه أليس هذه المحطة خيراً من تلك , قال تعالى : " لمثل هذا فليعمل العاملون , أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم " ؟
سفر دائم : أيها الأخوة والأخوات إننا على سفر دائم , نسافر من أصلاب إلى أرحام إلى أرض إلى طفولة إلى شباب إلى رجال إلى شيخوخة إلى موت ... فمن منا يملك حاله ؟؟ وهذه الأيام والشهور تمر بنا سريعاً , يقول الإمام علي رضي الله عنه : " آه من قلة الزاد وطول السفر وعقبة الطريق " , فما مضى لن يعود وهذه نفحات رمضان وقد شارفت على الرحيل , فهلا نغتنمها , هلا نشمر على ساعد الجد ونحن في العشر الأواخر من رمضان , فعن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان ( أحيا الليل وأيقظ أهله وجَدَّ وشد المئزر ) متفق عليه .
وهذه ليلة القدر وقد أقبلت في حلل السعادة , تتهادى بين العفو والمغفرة وكرم الله ورضاه فإنها خير من ألف شهر كما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " ألا إن لله في دهركم نفحات فترقبوها وأروا الله من أنفسكم ما أنتم فاعلون " , وإنها هدية الله لعباده المؤمنين فلنغتنم هذه الليلة ولنتسابق فيها بالأعمال الصالحات قال تعالى : " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " . وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف : ( ألا إن لله في شهركم نفحات ألا فترقبوها وأروا الله في أنفسكم ما أنتم صانعون ) .
دعاء : اللهم إنك قد فضلت رمضان على الشهور وفضلت ليلة القدر على الليالي وفضلت المساجد على البقاع كلها ودعوتنا إلى هذه الليلة دعوتنا إلى مائدة رمضان , دعوتنا إلى البر والإحسان , إلى تلاوة القرآن وحِلَق الذكر إلى ليلة القدر, اللهم فتقبل منا صيامنا وقيامنا وارحم ضعفنا واجبر كسرنا وهيء لنا من أمرنا رشدا وأفض علينا بركات السلم والرضوان , اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس يا أرحم الراحمين أنت ربنا ورب المستضعفين ورب كل شيء , اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والأخرة أن ينزل بنا سخطك أو يحل بنا غضبك ولك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل , اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ولا تضرب به وجوهنا برحمتك يا أرحم الراحمين , يقول الله تبارك وتعالى : " إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر " .
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها : " إن قابلت ليلة القدر فماذا أقول , قال قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفو عنا " .
اخفاء ليلة القدر : وقد أخفى الله هذه الليلة حتى يجتهد الناس في العبادة في كل ليالي رمضان وحتى يعظم هذه الليالي كل ذلك من أجل أن يجزل لنا الأجر والثواب . أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " , وأعلى مراتب الإحياء أن يحي الليلة كلها بأنواع العبادات وأن يجدََّ في الطاعة والإستغفار والتوبة وأوسط مراتب الإحياء أن يحي معظم الليلة , وأدنى المراتب أن يصلي العشاء جماعة ويعزم على صلاة الصبح جماعة وهي عند الشافعي منحصرة في العشر الأخير وأرجاها الأوتار.
أيها الأخوة الأكارم والأخوات الفاضلات لو سمعنا أن هناك شركة ما أو متجراً ما قد أعلن عن تخفيضات أو تنزيلات لسارعنا في السؤال عن عنوان هذا المتجر أو الشركة ولتسابقنا لاغتنام فرصة التنزيلات ولكُنا من أوائل من يرتاد هذا المحل وربما أكثرنا من التردد عليه حتى نغتنم أحسن البضائع وأرخص الأسعار وأكبر الأرباح لأنفسنا.
أحباب الله , أخوتي وأخواتي هذه سلعة الله بين أيديكم , هذه ليلة القدر تعدل ألف شهر , تعدل ثلاثاً وثمانين سنة ً وأربعة أشهر فمن منا يعيش هذا العمر , إنها ليلة تتنزل فيها ملائكة الله وجبريل الأمين وتتنزل فيها رحمات الله وينادي منادي الله : " هل من سائل فاعطيه , هل من تائب فأتوب عليه , هل من مستغفر فأغفر له حتى تطلع الشمس من مغربها .
فهلموا أيها الأخوة فأحيوا ما تبقى من ليالي رمضان ولنستحي من الله أن يرانا طامعين في الدنيا , طامعين في جناح البعوضة وزاهدين في نعيم الأخرة وفي جنة عرضها السماوات والأرض , يقول الله تبارك وتعالى : " إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلنه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا ً أو نهارا ً فجعلناها حصيدا ً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون " سورة يونس آية (26 ) و قال تعالى : " وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الأخرة خيرٌ للذين يتقون أفلا تعقلون " سورة الأنعام آية (31 ) . وقال تعالى : " إنما مثل الحياة الدنيا كمآء أنزلنه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذآ أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاهآ أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الأيات لقوم يتفكرون " . صدق الله العظيم . سورة يونس آية (26 ) .
مثل الحياة الدنيا : قال تعالى : " إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بالأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين " " ... كمثل غيث أعجب الزراع نباته ثم يهيج فتراه مصفراً .. " " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا و الأخرة خير وأبقى "
هيا يا أخوتي و أخواتي لنجعل في عمرنا ليلة نضيئها بدموع الاستغفار , بالندم والتوبة , بالبكاء على ما فاتنا من العمر لنجأر إلى الله بالدعاء ولنلح في الطلب ولتنكسر قلوبنا لجلاله العظيم ولنبك على ما أسلفنا وما قصرنا وما أسررنا وما هو أعلم به منا , لنرفع أيدينا إلى الله ولنعاهده جل وعلا أن لا نعود إلى ذنوبنا.
ولنستعرض أيها الأخوة والأخوات سجل ذنوبنا ليدقق كل واحد منا سجل ذنوبه وليستشعر كل واحد منا عظمة من أذنبنا معه وعظمة فضله علينا وكيف نقبل فضله ورحمته وجوده علينا بالعصيان والغفلة ثم هل يليق بنا وقد دعانا الجليل العظيم إليه ليجزل لنا الثواب في ليلة القدر وفي العشر الأواخر من رمضان , إن الله ليبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل .
اللهم إنا قد هدنا إليك فاقبلنا , اللهم إنا ضعفاء فقونا فقراء فأغننا , أذلاء فأعزنا , ضياع فاهدنا , اللهم لا تجعل فينا شقيا ولا طريدا , اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك , اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عنا و أصلح أحوالنا ولا تشغلنا عنك بسواك , اللهم ارزقنا لذة الأنس بك ولذة مجالستك , اللهم اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان , اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا وتقبل دعاء .
أيها الأخوة والأخوات هذا شهر رمضان قد انتصب مودعاً فلنعم الحبيب كان ولنعم الشفيع كان ولنعم الكريم كان , ولقد جد السير فلم يبق من رؤية الحبيب إلا الزمن اليسير وسيرحل إلى ربه حاملاً حقائب أعمالنا شاهداً لنا أو علينا , ألا وإن في سرعة الأيام وتتالي الشهور لعبرةً لأولي الألباب , فأين من كان معنا في رمضان الغائب وصام وصلى وما أدركه رمضان هذا , لنودعه أيها الأخوة والأخوات بدموع سخية فهكذا يودع الأحبة الكرام , فمن يدري أيتقبل الله منا صومه أم لا, من يدري هل تتاح لنا فرصة لعام قادم ولرمضان آخر , ولكن رحمة الله أوسع لنا ومغفرته أوسع لنا .
أيها الأخوة والأخوات : لِنَجِدَّ فيما تبقى من رمضان ولنكثر من أنواع الطاعات والمبرات ولنؤد زكاة الفطر فقد أوجبت السنة علينا أداءها وروى ابن ماجد والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث وطعمةً للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات ومن لم يخرجها مع القدرة فهي عليه دين لازم , وتخرج من غالب قوت البلد , قال صلى الله عليه وسلم: ( صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لا يُرفع إلا بزكاة الفطر ) , أما وقتها فمن أول رمضان عند بعض الفقهاء إلى ما قبل صلاة العيد , وأما مقدارها كما تعلمون فهي صاغ نبوي أي ما يعادل 1728 غراماً من غالب قوت البلد عند السادة الشافعية وعند السادة الأحناف يجوز إخراج القيمة لأنها أنفع للفقير في هذا العصر ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( أغنوهم عن ذل السؤال في هذا اليوم ) , وهي واجبة على كل حر أو عبدٍ ذكرٍ أو أنثى وتجب بطلوع فجر يوم الفطر ويجوز إخراجُها في أول رمضان عند بعضهم وهي على الصغير والكبير وعلى من أدرك جزءاً من رمضان وجزءاً من شوال ويزكي الشخص عن نفسه وعن من تلزمه نفقتهم من أصوله وفروعه , أما ولده البالغ فعليه أن يستأذنه.