دروس وعبر من ملحمة أحد الخالدة 1
(خروج المشركين للمعركة)
د. فوّاز القاسم / سوريا
أنصح بالرجوع إلى سورة آل عمران ، من قوله تعالى ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )121
كان المسلمون قد انتصروا في بدر , ذلك الانتصار الكامل , الذي تبدو فيه - في ظل الظروف التي وقع فيها - رائحة المعجزة . ولقد قتل الله بأيديهم أئمة الكفر ورءوسه من قريش . فرأس في قريش أبو سفيان بن حرب - بعد ذهاب أشرافهم في بدر - فأخذ يؤلب على المسلمين لأخذ الثأر . وكانت القافلة التي تحمل متاجر قريش قد نجت فلم تقع في أيدي المسلمين ; فتآمر المشركون على رصد ما فيها من أموال لحرب المسلمين .
وقد جمع أبو سفيان قريبا من ثلاثة آلاف من قريش وأحلافهم الأحابيش وخرج بهم في شوال من السنة الثالثة للهجرة ; وجاءوا معهم بنسائهم ليحاموا عنهن ولا يفروا . ثم أقبل بهم نحو المدينة , فنزل قريبا من جبل أحد .
واستشار رسول الله [ ص ] أصحابه : أيخرج إليهم , أم يمكث في المدينة ? وكان رأيه ألا يخرجوا من المدينة , وأن يتحصنوا فيها ; فإن دخلها المشركون ، قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة , والنساء من فوق البيوت ...
ووافقه على هذا الرأي عبد الله بن أبي [ رأس المنافقين ] فبادرت جماعة كبيرة من الصحابة - ومعظمهم من الشبان ممن فاتهم يوم بدر - فأشاروا عليه بالخروج وألحوا عليه في ذلك . حتى بدا أن هذا هو الرأي السائد في الجماعة . فنهض [ ص ] ودخل بيته - بيت عائشة - رضي الله عنها - ولبس لأمته , وخرج عليهم , وقد انثنى عزم أولئك . وقالوا:أكرهنا رسول الله [ ص ] على الخروج ! فقالوا:يا رسول الله , إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل . فقال رسول الله [ ص ] " ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه " . .
وألقى عليهم بذلك درسا نبويا عاليا ; فللشورى وقتها ، حتى إذا انتهت جاء وقت العزم والمضي والتوكل على الله . ولم يعد هناك مجال للتردد , وإعادة الشورى والتأرجح بين الآراء . . إنما تمضي الأمور لغاياتها ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء . .
وكان رسول الله [ ص ] قد رأى في منامه : أن في سيفه ثلمة , ورأى أن بقرا تذبح , وأنه أدخل يده في درع حصينة . . فتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته . وتأول البقر بنفر من أصحابه يقتلون . وتأول الدرع بالمدينة . .
وكان إذن يرى عاقبة المعركة . ولكنه في الوقت ذاته كان يمضي نظام الشورى , ونظام الحركة بعد الشورى . .
لقد كان يربي أمة . والأمم تربي بالأحداث , وبرصيد التجارب الذي تتمخض عنه الأحداث . . ثم لقد كان يمضي قدر الله , الذي تستقر عليه مشاعره , ويستقر عليه قلبه , فيمضي وفق مواقع هذا القدر , كما يحسها في قلبه الموصول بالله.