برّك يا أمي

في كل لحظاتي

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

نعم يا أمى , برّك في كل لحظاتي , وليس فى يوم واحد من العام , وليس فى شهر , وليس فى أسبوع , بل فى كل لحظة , مع كل نَفس , مع كل نبضة , مع كل خَلجة , هذا إسلامنا الجميل  .

بك أوصانا الله بعد عبادته  :

( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانًا  ( النساء 36

ولا تكون الوصية من الله إلا لعظم الوصية , وجزيل الثواب منه تعالى  :

( ووصيناالإنسان بوالديه , حملته أمه وهناً على وهن , وفصاله فى عامين , أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير ) لقمان 14.

فعيدك ياأمى فى كل أوقاتى بما فضلك به الله فى ثلاثة مواضع : فى الحمل والولادة والإرضاع , تنفردين بهن , بل قال البعض أربعة , فالرابعة بمشاركتك فى التربية مع الأب  .

وبعد شكر الله شكر الوالدين بل قال ابن عباس : ثلاث آيات مقرونات بثلاث ولا تقبل واحدة بغير قرينتها :

 ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) : فمن أطاع الله ولم يطع رسوله لم يقبل منه .

 ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة  ) :  فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه .

)   وأن اشكر لى ولوالدي(  : فمن شكر الله ولم يشكر والديه  لم يقبل منه  .

صلى عليك الله ياخيرالناس , وفمك ينطق بالحق) :   رضا الرب فى رضا الوالدين وسخطه فى سخطهما ) , حتى عن الجهاد وعن الهجرة   :

عن عبد الله بن عمر قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : جئت أبايعك  على الهجرة وتركت أبوى يبكيان ( وكأنها بطولة ) فقال رسول الله : ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما , ويأتى جاهمة يستأذن رسول الله فى الجهاد , فأمره أن يرجع ويبر أمه , ولما كرر عليه قال صلى الله عليه وسلم  :

ويحك  .. الزم رجلها .. فثم الجنة  .

ويالها من دموع شريفة , وعبرات ساخنة , من الحبيب المصطفى , حينما وقف على قبر أمه  ومعه أصحابه , وجيش تعداده ألف فارس , فأبكى من حوله .

وهكذا أنبياء الله , هذا نوح يقول) :  رب اغفر لى ولوالدى ) نوح 28 , وهذا ابراهيم رغم عداء أبيه له , يقول له) :  سلام عليك سأستغفر لك ربى ) مريم 47 , وهذا اسماعيل يرى ذبحه ويقول ) : ياأبت افعل ما تؤمر ستجدنى إنشاء الله من الصابرين ) الصافات 102 , ولذا فقد مدح الله يحيى بقوله )  : وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً ) مريم 14 , ويقول عيسى : ( وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا   (مريم 32 .

وبعد كل ذلك : هل طاعة الوالدين تتعارض مع طاعة الله ؟

الطاعة لله مطلقة أما طاعة الوالدين فالله جعل لها حداً حيث القاعدة : لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق , ورضى الله عن سعد بن أبى وقاص حينما علمت أمه بإسلامه فامتنعت عن الأكل حتى يرجع عن دينه فأبى , وكلمها ثلاثة أيام لتأكل وهى تأبى , فقال لها : لو أن لك مائة نفس فخرجت نفس نفس ما رجعت عن دينى , فلما رأت منه ثباتا وصلابة أكلت , فنزل فيه , قوله تعالى

( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفاً )  لقمان 15 .

وتأمل معى هذه الإشراقات القرآنية فى قوله تعالى  :

( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما : فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما , وقل لهما قولا كريماً , واخفض لهما جناح الذل من الرحمة , وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيراً )  الإسراء 24 .

1 -  نحن المخاطَبين :

فوقت نزولها لم يكن للنبى أب أو أم   :فكم سهرا لتنام , وكم بكيا لتضحك , وكم جاعا لتشبع , وكم تلذذا بضمك مع إزعاجك , وكم تلذذا بشمك مع عدم نظافتك , وكم سعدا بك وأنت لا تدرى  .

2 - يبلغن عندك الكبر :

عندك وليس فى دور المسنين , أو فى الشوارع مطرودين , فهما فى الكبر أحوج , لحاجتهما إلى المساعدة , وها هو صوت النبى يرويه أبو هريرة : رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه , قالوا : مَن يا رسول الله ؟ قال : من أدرك والديه عند الكبر أو كليهما ثم لم يدخل الجنة  .

3- لا أف ولا نهر :

لا أف فى القول وهذا فى حال الطاعة , ولا نهر فى حال المعصية , وقد حذر الاسلام من العقوق فكل الذنوب يؤخر الله فيها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين , فإن الله يعجله لصاحبه فى الحياة قبل الممات , تروى كتب الأدب عن شاب جر أباه ليذبحه , وعندما وصل إلى مكان حجرة , قال الأب لابنه : اذبحنى هنا فقد ذبحت أبى هنا .

لقد جاء رجل يقول : يا رسول الله شهدت أن لا إله إلاالله وأنك رسول الله وصليت الخمس وأديت زكاة مالى وصمت رمضان , فقال الحبيب : من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا , ونصب أصبعيه , ما لم يعق والديه  .

4- قل لهما قولا كريما :

فى القرآن : وقولوا للناس حسنا , فالقول الحسن مع كل الناس , والقول السديد مغ المؤمنين , وهنا القول الكريم مع الوالدين , والكريم يعطي بلا حد , و بلا سؤال , وبلا انقطاع  .

5- كن ذليلا لهما :

هكذا قال السلف : كن ذليلاً ولا تكن ذلولا , والسر فى ذلك أن الذلول ظاهر والذل فى داخل النفس , فإن توفر الذل ظهر الذلول وهى اللين والرقة والبشاشة والهشاشة , وليس فى ذلك ضعفاً مثل النسر القوى حين يخفض جناحه لصغاره فيبدو ذليلا وهو القوى  .

6- رب ارحمهما :

كما ربيانى صغيراً , ليتذكر الانسان هذه الفترة العمرية التى كان فيها لا حول له ولا قوة ,  ودائما الإنسان صغيرًا أمام والديه , ليدوم دعاؤه لهما بالرحمة  .

قصة من الحياة

وهذه قصة من الحياة , يرويها أشهرالصحابة براً بأمه , إنه أبو هريرة يقول  :

كنت أدعو أمى إلى الإسلام وهى مشركة فدعوتها يوما فأسمعتنى فى رسول الله ما أكره , فأتيت رسول الله وأنا أبكى قلت : يا رسول الله إنى كنت أدعو أمى إلى الإسلام فتأبى علىّ , فدعوتها اليوم فأسمعتنى فيك ما أكره , فادع الله أن يهدى أم أبى هريرة , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اهد أم أبى هريرة , فخرجت مستبشراً , فلما جئت قالت : مكانك يا أبا هريرة , فاغتسلت وقالت : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله , فأتيت رسول الله وأنا أبكى من الفرح , فقلت : أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى الله أم أبى هريرة , فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا  .

يروى ابن سعد بسند صحيح أن رسول الله أعطى أبا هريرة  تمرتين , يقول أبو هريرة : فأكلت تمرة وجعلت تمرة فى حجرى , فقال رسول الله : يا أبا هريرة لم رفعت هذه التمرة ؟ فقلت : لأمى , فقال : كلها سنعطيك لها تمرتين , فأكلتها وأعطانى لها تمرتين  .

وكان كلما دخل على أمه قال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته , قالت : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته , قال : رحمك الله كما ربيتنى صغيراً , قالت : رحمك الله كما بررتنى كبيراً .

وكان مما اشتهر عنه : أنه كان من دعائه :

اللهم حببنى وأمى إلى عبادك المؤمنين  .

هكذا يكون عند أمه

ومن التابعين ممن عرفوا ببر الوالدين : يقولون عنه ؟ ما رأيت محمد بن سيرين يكلم أمه قط  إلا وهو يتضرع

دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه , فقال  : ما شأن محمد ؟ ََأيشكى شيئا ؟ قالوا  لا : ولكن هكذا يكون عند أمه .

الباب مفتوح بعد موتهما

جاء رجل من بنى سلمة قال : يا رسول الله هل بقى من بر أبوى شىء أبرهما به بعد موتهما ؟ قال : نعم

الصلاة عليهما

و الاستغفار لهما

وإنفاذ عهدهما من بعدهما

وصلة الرحم التى لا توصل إلا بهما

وإكرام صديقهما

ففيهما فجاهد

قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لرجل استأذنه فى الجهاد :

أحىّ والداك ؟ قال : نعم

قال : ففيهما فجاهد

وأخيراً :

 نحن في غني , عن يوم للأم , أو احتفال بالأم , لأننا في كل لحظاتنا , الأم في وجداننا , وقلوبنا , وأعصابنا , فهل معني ذلك أن نقاطع الاهتمام بالأم , في أيام الاحتفاء بها ؟

 يقول الشيخ فيصل مولوي ( نائب رئيس المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء ))  :  تكريم الأم مطلوب على مدار السنة كلها , واحترامها وطلب مرضاتها وخدمتها وسائر أعمال البر مطلوب طلباً مؤكداً في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم , مما أصبح مشهوراً على ألسنة جميع الناس ... والحرج الشرعي يكون في اعتبار هذا اليوم عيداً بالمعنى الشرعي , ويكون كذلك في حصر تكريم الأم بهذا اليوم , فإذا انتفى هذان الأمران فلا حرج في تكريم الأم في يوم الأم , إلا عند الذين يعتبرون ذلك من قبيل تقليد غير المسلمين والتشبه بهم , ونحن نعتقد أن تقليد غير المسلمين والتشبه بهم لا يجوز فيما يكون من خصوصياتهم ولا أصل له في شرعنا , أما تكريم الأم فله أصل شرعي معروف وبالتالي فإن هذا الأمر لا يعتبر من التشبه الذي نُهينا عنه ) .