وُلد الهُدى

الشيخ / سيد عسكر

رئيس وعظ الأزهر السابق

من حق شهر ربيع الأول أن يتيه على بقية الشهور فخراً واعتزازاً إذ اختصه الله تبارك وتعالى بمولد سيد الخلق وإمام الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

إنه الشهر الذى وُلِد فيه الهدى والنور وتزينت فيه الدنيا لمولد الهادي البشير النذير صلى الله عليه وسلم. (((يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً))).

كيف كان حال الدنيا قبل أن يُشرق فيها نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟

لقد كانت تتخبط في الظلمات وتتمرغ في الشهوات وتعيش في الضلالات وقد ساد الظلم أرجاء العالم وتحكم الظلمة في خلق الله، وعبدَ الناس أصناماً لا تضر ولا تنفع وظنوا لحُمقهم أنها عند الله تشفع. واختلطت على الناس السُبل وضلوا الطريق وصاروا كالغريق الذي لا يدري كيف النجاة، لقد كانت الدنيا كما وصفها أحمد شوقي في قوله:

جئتَ والناسُ فوضى لا تمر بهم       إلا على صنم قد هام في صنم

وهكذا جاء محمد صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي اشتدت فيه حاجة الدنيا إليه:

وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر، جاء محمد صلى الله عليه وسلم يحمل إلى الناس مشعل الهداية ونور الإيمان وقبس الرحمة ومنارة العدل وروضة السلام (((يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يُبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب، ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبل السلام ويُخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم))).

ولقد حاولت جيوش الظلام أن تمنع ضياء الصبح أن يعم الآفاق وهيهات. وحاولت جحافل الكفر أن توقف زحف الإيمان فباءت بالخذلان. كما حاول زعماء الضلال منع الهداية من الوصول إلى قلوب الخلق وما دروا أن القلوب بيد الله وليست بيد أحد سواه وأن الهدى هدى الله. (((من يهدِ الله فهو المهتدِ ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشدا))).

ولقد استمات الظلمة والطغاة دفاعاً عن مواقعهم وحفاظاً على مصالحهم آملين ألا تقوم للعدل قائمة وأن تبقى لهم سيطرتهم على الناس بغير حق فما حصدوا غير الخسران وما جنوا غير الهزيمة والهوان وصدق الله وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.

إن محمد صلى الله عليه وسلم أعظم هدية أهداها الله الكريم المنان صاحب الفضل والانعام إلى خلقه، يقول جل ثناؤه وتقدست أسماؤه  (((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين))).

ومن عجب أنه حتى الذين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم وكفروا به نالهم شيء من رحمته بفضل الله سبحانه، ومن ذلك أن الله سبحانه لم يُعجل لهم العذاب كما كان يحدث مع الأمم السابقة حيث يقول عز من قائل: (((وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. وما كان الله ليُعذبهم وأنت فيهم وما كان معذبهم وهم يستغفرون))).

لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم ومعه الدواء الذي يشفي البشرية من أمراضها والعلاج الناجح الذي يُبرئها من أدرانها. (((يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون))).

جاء محمد صلى الله عليه وسلم ليهدي إلى الصراط المستقيم كل من أراد الله له الهداية والرشاد، يقول الله سبحانه وتعالى: (((وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم))).

صلى الله وسلم عليك يا سيدي يا رسول الله.