غزة وشهر المحرم
غزة وشهر المحرم
فلا تظلموا فيهن أنفسكم
جمال سعد حسن ماضي
1- مَنْ يريد أن يظلم نفسه ؟
هذا نداء الله في هذه الأيام , في شهر المحرم , وهو من الأشهر الحرم - ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الفرد - وهي الأشهر التي حرَّم الله فيها القتالَ ، بمعنى ألا يبادئوا أحدًا بالقتال ، والتي قال الله فيها : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) , أي أن الذنب فيهن أعظم , وكذلك العمل الصالح فيهن أعظم , قال قتادة : ( إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة وزوراً , من الظلم فيما سواها , وإن كان الظلم على كل حال عظيماً ، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء ) .
وهذا الظلم البيّن الواقع اليوم على غزة , بالصمت العالمي , والتخاذل الرسمي العربي , لأعظم خطيئة يرتكبونها , وأخطر ظلم لأنفسهم , مما ينتظرهم من عقاب مضاعف من القوي الجبار .
وكل من انتفض لنصرة غزة , فأجره عند الله عظيم , ويكفيه أنه يتأسى برسول الله صلي الله عليه وسلم , حينما جاءه عمرو بن سالم وأخبره بنقض قريش للهدنة , فقد كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حلف المسلمين دخل ، ومن أراد الدخول في حلف قريش دخل ، دخلت خزاعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش ، وقد كانت بين القبيلتين حروب وثارات قديمة ، فأراد بنو بكر أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم ، فأغاروا عليها ليلاً ، فاقتتلوا ، وأصابوا منهم ، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح والرجال ، فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بغدر قريش وحلفائها , فقال النبي صلي الله عليه وسلم :
(
نصرت يا عمرو بن سالم , والله لأمنعنكم مما أمنع نفسي منه ) , ودعا الله قائلاً : (
اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش , حتى نبغتها في بلادها
) .
وأرادت قريش تفادي الأمر ، فأرسلت أبا سفيان إلى المدينة لتجديد الصلح مع المسلمين
، ولكن دون جدوى ؛ حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتهيئ
والاستعداد ، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة ، كما أمر بكتم الأمر عن قريش من أجل
مباغتتها في دارها .
وفي رمضان من السنة الثامنة للهجرة غادر الجيش الإسلامي المدينة إلى مكة ، في
عشرة آلاف من الصحابة , بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وتحقق النصر المبين
, والفتح العظيم .
2
-
صيام ودعاء من أجل غزة :
عن
أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(
أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ
الْمُحَرَّمُ
(
رواه مسلم , فنحن عند صيام أيامه في أفضل صيام , في شهر قال عنه النبي صلي الله
عليه وسلم
) :
شهر
الله(
,
فإضافة الشّهر إلى الله إضافة تعظيم ، فلماذا لا نكثر من صيامه , والدعاء فيه
لأهلنا بغزة ؟
فيجود الله علينا بالنصر ,
-يقول العز بن عبد السلام
-
عن سر تفضيل الأشهر الحرم
ويوم عاشوراء : (
ففضلها راجعٌ إلى جود الله وإحسانه
إلى
عباده فيها.. ) .
عن
ابن عباس رضي الله عنهما قال:
(
مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ
عَاشُورَاءَ ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ ) رواه البخاري
,
ومعنى "يتحرى" أي يقصد صومه لفضله , فهو يوم مقصود , ومن خير المقاصد في هذا اليوم
, ليكتمل فضله , أن يكون يوم دعاء ونصرة وإحقاق الحق , لأهل غزة , بكل الصور
المتاحة
.
وقال النبي
صلى
الله عليه وسلم:
(
صيام يوم عاشوراء ، إني أحتسب على الله أن
يكفر السنة التي قبله ) رواه مسلم , وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا
بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة , بشرط اجتناب الكبائر , ومعني ذلك أن نفتح
صفحة جديدة , في عام جديد , بتوبة صادقة , عسي الله أن ينظر إلى برحمته , فينزل
علينا وعده بالنصر والتمكين , فلماذا لا نعتكف فيه في بيوت الله , نقول لها عذراً ,
فقد تركناها تهدم في غزة , على يد أعوان الشيطان
.
3
– إحياء سنة مخالفة لليهود :
عن
ابن
عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود
تصوم يوم عاشوراء , فقال:
( مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ
صَالِحٌ ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ
فَصَامَهُ مُوسَى ، قال: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ
بِصِيَامِهِ
)
رواه البخاري .
وروى الإمام أحمد)
: وهو
اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح
شكراً )
.
روى
عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال)
: حِينَ
صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ
يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ". قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ
حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه
مسلم .
يقول ابن تيمية عن سر ذلك :
نَهَى صلى الله
عليه وسلم عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِثْلُ
قَوْلِهِ في عَاشُورَاءَ
) :لَئِنْ
عِشْتُ إلَى قَابِلٍ
لاَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) .
وهذا حتى تتميز الأمة الإسلامية , يقول الله تعالى : (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) , كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول أمره يحب موافقة أهل الكتاب ليتألفهم ، فلما أسلم أهل الأوثان واستمر أهل الكتاب على كفرهم ، أمر بمخالفتهم وأكد عليها ، حتى قالت اليهود : ( ما يريد الرجل أن يدع من أمرنا شيئا , إلا خالفنا فيه ) .
وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع سنن أهل الكتاب ، في كل أمر من الأمور ولو كان شكلياً ، فمن باب أولى أن لا نقلدهم في منهج حياتهم , عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثم لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم , قلنا : يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال: فمن ؟ ) , ويقول صلي الله عليه وسلم :
( لتتبعن سنن الذين كانوا قبلكم حذو النعل بالنعل , حتى إن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه ) .
وذلك لترسيخ مفهوم المفاصلة الإيمانية والشعورية والفكرية ، وليتحقق مبدأ البراء منهم , وتأصيل منهج مخالفة اليهود في نفوسنا..
فهل تكون مذبحة غزة اليوم دافعا لإحياء هذه السنة ؟
وحافزاً لإعادة هذا المفهوم في علاقتنا مع الصهاينة ؟
في اتباع النهج الصحيح في التعامل معهم , والذي سيضمن للأمة تحقيق النصر عليهم , والقضاء على علوهم وإفسادهم , كما انتصر عليهم النبي صلي الله عليه وسلم , في خيبر , ويومها ننادي من أعماق قلوبنا :
( خيبر خيبر يا يهود , جيش محمد بدأ يعود ).