انطلق وعش حياتك

أسرار عالم المتصنّعين !

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

أولاً : لماذا يتصنًّعون ؟

في حياتنا تسقط الأقنعة ، ويذهب الزيف ، والادّعاء ينتهي ، والزعم لا يبقى ، كذلك التصنَّع لا يدوم .

الذين يقنعون أنفسهم بأنهم يعملون وهم الكسالى

 والذين يقنعون أنفسهم بأنهم على شأن عظيم وأهمية قصوى وهم على غير ذلك

 والذين يتخذون لأنفسهم سمات العلو والعظمة والعبقرية وهم أخيب خلق الله

 والذين يتصرفون بما يعتقدونه خطأ , وهم أنفسهم يشعرون بأنهم في أمس الحاجة إلى تمثيل دور الناجحين لأنهم ليسوا كذلك

 فلماذا هذا الادّعاء المصطنع ؟ ولم هذا الانتحال الفاضح ؟

ثانياً : في تعريف التصنّع

قالوا : هو إما ممارسة العمل بادّعاء المعرفة ، أو التملق في ممارسة العمل ، والذي يترتب عليه كثير من الأمور كالإهمال وسوء الممارسة والجهل وما إلى ذلك ، مما يؤدى إلى الوقوع في الخطأ ، ومن ثم المساءلة ، لأن النتيجة تكون في غير صالح الإنسان .

وهناك وجه آخر من ممارسة التصنّع وهو أن المعرفة موجودة ولكن المقدرة قاصرة عن تحقيق الهدف ، مما يجعل العامل يمارس عمله تحت ذريعة الثقة ، وهي في الحقيقة غير موجودة بسبب التباعد بين المعرفة والتطبيق .

ولذلك لا تندهش حينما يطلق على المتصنعين ألقاب مثل :

( الاستعراضيون ) ، ( المتحذلقون ) ، ( المتشدقون ) , ( المتكلفون )

فإن أخطرما في التصنّع هو السلوك المصطنع ، فالسلوك الحقيقي هو الذي ينبع عفوياً من الإنسان ، نتيجة قناعات داخلية في النفس والعقل والقلب ، أما السلوك المصطنع ، فهو السلوك الظاهرى ، وليس في الجوهر ، أى ليست له أي صلة بالإتقان أو بالإخلاص .

فالمتصنِّعون تكشفهم المواقف ، ولو امتلكوا كل أشكال الزخرفة وتنميق الكلمات .

يقول النبى صلى الله عليه وسلم :

[ إن أبغضكم إلىّ , وأبعدكم منى مجلساً , الثرثارون والمتفيهقون , المتشدقون في الكلام ]

وفي رواية : ( ألا هلك المتصنِّعون ... ثلاث مرات ) .

ومن كلام الله لموسى عليه السلام :

 ( يا موسى إنه لم يتصنّع المتصنّعون بمثل الزهد في الدنيا ، ولم يتقرب إلىّ المتقربون المتصنّعون بمثل الورع عما حرمت عليهم ) .

ثالثاً : أسباب التصنّع

1-                  الخوف :

الخوف عائق كبير يمنع الإنسان من النجاح وبالتالى لا يتقن عمله ، أو يتقدم في حياته ، هذا ما يجعله يتصنّع ويتظاهر ويرائي ويتشدق ويكلف نفسه بما هو ليس موجوداً لديه ، ولذلك فإنه لا يعترف بخوفه ، وهذه أول نقطة في طريق التصنّع ، وبالتالى لا يعبّر عن خوفه ، ويحاول أن يخفيه ، بدلاً من اتخاذ خطوات عملية لعلاجه .

وهذا الخوف المسبب للتصنع ، هو الخوف الذي يسمى : ( الخوف المرضي ) ، فالخوف على أشكال ثلاثة :

 الأول : محمود وهو الخوف من الله لقوله تعالى :

 { إنما ذالكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } آل عمران / 175 .

الثانى : الخوف كرد فعل وهذا أمر طبيعى في حياة الإنسان ، وله مبرراته .

الثالث : الخوف المرضي ، وهو من الأمراض الفتاكة ، لأنه خوف من المستقبل ، خوف من المواجهة ، خوف من المغامرة ، خوف من الماضي ، خوف من الموت .

وفي الحياة يؤثر الخوف على شخصية الإنسان ، وقوته ونفسيته ويومه , خاصة عند مواجهة المشكلات والصعاب , ولذلك فالسلوك الحقيقى يعتمد على طرد الخوف بأى شكل من أشكاله ، ومن أجل ذلك كانت حكمة صلاة الخوف عند القتال ومنازلة الأعداء ، روى عن جابر بن عبد الله قال : ( صلى رسول الله صلي الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم سلم , وطائفة مقبلون على العدو ، قال فجاءوا فصلى بهم ركعتين أخريين ثم سلم ) .

وأقصى أنواع الخوف التى تقعد الإنسان عن العمل ، وتدفعه إلى التصنّع ، هو الخوف من الناس ، أو الخوف من شخص معين ، خاصة عند حضوره في المناسبات أو الاجتماعات أو اللقاءات العامة أو الحفلات أو السفريات .

2-                  إرضاء الآخرين :

لقد أطلق عليه البعض : ( داء إرضاء الآخرين ) ، وليس كما يظن البعض بهم ، أنهم مجرد أناس لطفاء يذهبون إلى أقصي حد , من أجل إرضاء الآخرين ، وأهم مظاهر هذا الداء ، في تساوي قول ( نعم ) مع ( لا ) لديهم , فالرغبة عند أصحاب هذا الداء في شيء واحد ، هو نيل تأييد الناس ، التى تتحول إلى إدمان ، يصعب التخلص منه ، بل إن البعض أخذ يفسّر هذا السلوك بأنه تمويه للدفاع عن أنفسهم ، لمخاوفهم من الغضب عليهم ، أو مواجهة الآخرين , فيتصنَّعون اللطف وإرضاء الآخرين ، وهم من داخلهم قد يلعنونهم .

وللتخلص من مرض إرضاء الآخرين ، والوقاية منه ، حاول أن تتعرف على قدراتك من خلال هذا الاختبار :

3- عدم الرقابة الداخلية :

الرقابة تحقق للإنسان حمايته من نزواته وشهواته ورغباته السيئة ، كما توجهه إلى التدخل السريع لعلاج أى خطأ أو تصحيح أى عيب ، أو علاج أى مشكلة ، وبالتالى تساعد على إظهار الحقائق ، والتعامل الحقيقى وليس المصطنع ، ويطلق عليها الرقابة الداخلية ، لأنها هى الأصل لأى رقابة خارجية ، فإن كانت على درجة كبيرة من الإتقان بما يكفل حسن الأداء ، فإنه ليس ثمة داع عندئذ إلى رقابة أخرى خارجية .

وكلما كانت الرقابة ذاتية ، اختفى التصنّع والإدّعاء ، يقول النبى صلى الله عليه وسلم : [ لأعلمن أقواماً من أمتى يأتون يوم القيامة بحسنات بأمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباءً منثوراً ]

قيل : يا رسول الله  صفهم لنا ، قال :

[ أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم , ويأخذون من الليل كما تأخذون , ولكنهم قوم إذا خلو بمحارم الله انتهكوها ]

يقول ابن الأعرابى :

( آخر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله ، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد ) ،

 يقول تعالى :

 { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ق / 16 .

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل          خلوت ولكن قل علىّ رقيب

ولا  تحسبن  الله  يغفل  ساعة            ولا أن ما نخفيه عنه  يغيب

ولذلك كان يقول زيد بن أسلم :

 ( كان يقال : من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا ) .

4- غياب الصدق والأمانة :

حينما عرف العلماء الصدق , قالوا :

( هو موافقة الحق في السر والعلانية واستواء الظاهر والباطن )

ويقول بعض الحكماء :

 ( الصدق منجيك وإن خفته ، والخيانة والكذب مرديك وإن أمنته ) .

ولذلك فغياب الصدق والأمانة ، هما اللذان يجعلان الإنسان يتصنّع ، في كلامه ومواقفه ، حتى ولو أصبح ذلك في عصرنا , فناً وسياسة ودعاية ، فهو في الحقيقة زيف وإدّعاء وافتراء ، وقد اشتهر اليوم بين الناس باسم : عدم المصداقية .

5- اللامبالاة :

هل حالة اللامبالاة مرض صحى في عدم التكيف مع البيئة ؟ أم هي جمود في العاطفة ؟ أم هى نتيجة ضغوط من الفقر والضياع والتشتت ؟ أم هى حالة من عدم الاهتمام المقصود بالآخرين ؟ أم لكل هذه الأسباب السابقة ؟

ومهما تعددت الأسباب فحالة اللامبالاة التى انتشرت كالهواء بين الناس ، و تجعلهم يبحثون عن مبررات ، يغطون بها عدم الاهتمام والاكتراث بغيرهم ، هي التي تجعلهم يتصنّعون ، وهم غير مقتنعين بما يقولون أو يعملون .

6- الإهمال :

الإهمال سبب رئيسي ، في التكلف والإدّعاء :

 فهل يُظهر المهمل الكراهية في قلبه أم يتصنع التفاءل ؟

وهل يخرج المهمل عن حياته المعقدة والنكد الذى يحاصره أم يتصنّع البساطة ؟

وهل يستطيع المهمل أن يتخلى عن مناصبة الناس العداء والرد عليهم بصاعين أم يتصنع المسالمة ؟

فالإهمال هو السبب ، الذي أوصله إلى هذه المشاهد ، التى سرعان ما ينكشف زيفها ، وما زال الإنسان يهمل حتى يعيش في فوضى ، وإن تصنّع غير ذلك .

ونلتقي في الحلقة القادمة إن شاء الله , حول التخلص من التصنع , في خمس خطوات عملية , إذا وقعنا فيه , أو الوقاية منه حتى لا يقع .