اعتكاف و لكن من نوع آخر
لبنى شرف / الأردن
[email protected]
الاعتكاف
بمعنى الخلوة إلى الله في المساجد ، هي فترة تجرد لله ، تنسلخ فيه النفس من كل شيء
، و يخلص فيه القلب من كل شاغل ، و هو سنة رسول الله – صلى الله عليه و آله و سلم –
في العشر الأواخر من رمضان ، فعن أمنا عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : كان
النبي – صلى الله عليه و سلم – إذا دخل العشر شد مئزره ، و أحيا ليله ، و أيقظ أهله
. [ صحيح ، الألباني – صحيح الجامع : 4713 ] . و من أقوال العلماء في معنى شد
المئزر ، أنه كناية عن الجد و التشمير في العمل .
إن ظل هذه الليلات العشر يشعرنا و
كأنها ذوات أرواح ، تعاطفنا و نعاطفها ، ففي جوها تلتقي و تتجاوب الأرواح العابدة
الخاشعة مع أرواح هذه الليالي المختارة ، فترفرف إلى عليين ، فيا لأنس هذا المشهد
.. و يا لنداوة هذا الجو .. و يا للنجوى المؤنسة للروح .
هذا المعنى الرائق للاعتكاف ، و هذا
الجو الندي في هذه الليالي العشر ، و هذا الجد و التشمير في العبادة ، أصبح عند
كثير من نساء اليوم جد و تشمير و لكن في المطبخ في التحضير لحلويات العيد ، و في
الأسواق لشراء ملابس العيد !! .. و لو كن حريصات على اغتنام هذه النفحات الربانية ،
لما أضعنها في مثل هذه الأمور ، فهناك متسع من الوقت لها في غير هذه الأيام
المباركة ، فرمضان لا يأتي إلا مرة في كل عام ، و العشر الأواخر تجرد لله عما سواه
، و لكن يبدو أن الماديات طغت في زماننا هذا و ما عاد للروحانيات مكان !! ، فصلاتنا
لا تعدو عن كونها ركيعات جوفاء ، و صيامنا امتناع فقط عن الطعام و الشراب ، و لكن
أين راحة القلب ، و سمو الروح ؟! .
أنا أشعر بأن في الاعتكاف أسراراً و
عجائباً ، لا يدركها إلا من تدبرها و تفكر فيها ، و لا يستشعر حلاوتها إلا من ذاقها
، و لمس أثرها في نفسه ، فللاعتكاف تأثير واضح في القلب و في الفكر ، و في صفاء
الذهن ، و في إدراك الأمور و فهم الحياة ، و في تصحيح السلوك ، و هذا يحتاج إلى
جلسة متأنية و فاحصة مع النفس ، و اعتزال الخلق ، و فراغ القلب و الفكر من كل
الملهيات و الشواغل الدنيوية ، حتى يتسنى للروح أن ترتقي و تحلق في آفاق الكمال و
النور ، فتتصل بخالقها .. و لكن ربما يعجز القلم و اللسان عن وصف مثل هذه الإحساسات
، فمن المعاني زهور ربيع ، يُشَمُّ و لا يُفرك .
فيا أخواتي المسلمات المعتكفات في
المطابخ و في الأسواق ، مضمار السباق قد انعقد ، و الجنة فُتحت لمن جد ، و الجائزة
أُعدت لمن جد ، فشمِّرن عن ساعد الجد ، و قلن .. لن يسبقنا إلى الله أحد .
اللهم أكرمنا بليلة القدر ، و أسعدنا
بالأجر ، و شرف أمتنا بالنصر ... اللهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين .