حياتي مع القرآن الكريم

حياتي مع القرآن الكريم

عبد المعز الحصري

1ـ  الصحبة الصحبة

ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك

قلت: ثبتت صحبة القرآن الكريم بالحديث التالي،عن أبي امامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"اقرؤوا القرآن فانه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه " رواه مسلم

قال الحسن بن علي رضي الله عنه : ان من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها في الليل ويتفقدونها في النهار .

ـ نقل عن ابن رجب الحنبلي في ذيل طبقات الحنابلة عن شيخ الاسلام ابن تيمية أنه قال :"وندمت على تضييع أوقاتي في غير معاني القرآن ".

قلت: لا شك أن كتاب الله ـ القران الكريم ـ هو أعظم الكتب وأكرمها وأعزها .

(( أوتيت سبعا من المثاني والقرآن العظيم )) ، قلت: صحبة القرآن تنفي عن صاحبها الوقوع في الهجران للقرآن الكريم " يارب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا" الاية

والمعلوم لدى أهل الفهم أن خير جليس في الأنام كتاب، والصاحب ساحب، فعلينا معاشر المسلمين ـ وغيرهم ممن أراد الحق والهداية  ـ أن نتخذ القرآن صاحبا لنا، ونبراسا نهتدي به في ظلمات الجاهلية الجهلاء حيث غابت عن مجتمعاتنا مكارم الأخلاق، فأصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا وأختلط الحابل بالنابل فلم تعد ترى إلا القلة القليلة ممن بصرهم الله بحقيقة الأمر وواقعه، فكانوا أهل الحل والعقد والعقل والفهم عن الله يقول الإمام النووي : " وأعلم أن المذهب الصحيح المختار الذي يعتمد من العلماء أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرها من الأذكار وقد تظاهرت الأدلة، والله أعلم " (2)

أـــ الصحبة للقرآن الكريم

ان أفضل من صاحب القرآن الكريم بعد النبي صلى الله عليه وسلم  أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبارك، ثم العلماء العاملون الربانيون الذين استنبطوا أحكامه وأثاروا كنوزه ووقفوا عند المتشابهة فيه

 

ـ الصحبة تقتضي ما يلي

1ـ الاكثار من التلاوة ـ الاستماع له والإنصات وإقامة حروفه وتجويده

 " واذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " الآية

ونقل الغزالي في الاحياء ( أن كثيرا من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرءون من المصحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف) نقلآ  من كتاب  (3)  

2ـ تدبر آياته: إن القصد من قراءة القرآن تدبر آياته وفهم معانيه

" كتاب أنزلناه اليك ليدبروا آياته" الآية

"أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" الآية

3- العمل بمحكمه والتسليم بمتشابهه والامتثال لأمره واجتناب نواهيه وإحلال حلاله " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " الآية

4- إثارة كنوزه وبيان عجائبه

(ثوروا القرآن): قاله: عبد الله بن مسعود، قلت: أي أخرجوا كنوزه وعجائبه فانها باقية فيه وتصلح الزمان والمكان ومافيهما الى يوم القيامة

5- تعلم علومه؛ يقول بعض السلف  "علم ولدك القرآن وسيعلمه القرآن كل شيء "

فان من أدب الصحبة التعرف على علوم صاحبه وتنفيذ اوامرة وتلبية طلباته

6- أن يتخذ القرآن خليلآ قال احد السلف : "لم أر خليلآ يرفع خليله كالقرآن فطوبى لمن اتخذ القرآن خليلا " (4)

7-اجلال كتاب الله واحترامه

يقول د.أيمن سويد " والله ما صاحب القرآن  انسان بصدق الا ورأى الخير كله في الدنيا قبل الآخرة، ولكن بشرط مصاحبة بصدق ، يصاحبه على أنه كلام الله، ويحترمه احترام منزله تعالى، ويجله اجلالا عظيما، صاحبوه محبة واحتراما وتأملا،  لما ترون فيه من معان.انتهى قوله، قلت كان سيدي الوالد الشيخ احمد الحصري رحمه الله ـ شيخ معرة النعمان ـيقوم اجلالا لكتاب الله ـ رغم مرضه وكبر سنه ـ عندما يطلب منا احضار القران له، ويأمرنا الا نمسه الاعلى وضوء او بعازل، يقول الامام النووي " ويستحب أن يقوم للمصحف إذا قدم به عليه لان القيام مستحب للفضلاء من العلماء والأخيار فالمصحف أولى . من كتاب التبيان في آداب حملة القران للنووي

ـ مميزات وفوائد  الصحبة للقران الكريم

1ـ الخيرية والفلاح

ان الخير كل الخير بصحبة القران الكريم، وذلك بتعلمه وتعليمه لغيره، وليكن القرآن مصاحبا لقلوبنا وجوارحنا  قال عليه الصلاة والسلام " خيركم من تعلم القران وعلمه " الحديث

2ـ تزكية نفس المؤمن

ففي صحبة المؤمن للقرآن تزكية للنفس وترفعها عن سفاسف الامور وتواقها لمعالي الامور، عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمن الذي يقرا القران مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ....." الحديث

3ـ رفع منزلة المؤمن وقدره

بقدر حفظ المؤمن للقران الكريم ومصاحبته له ترتفع بذلك منزلته

عن عمر رضي الله عنه أن النبي  صلى الله عليه وسلم قال "ان الله تعالى يرفع بهذا الكلام أقواما ويضع به آخرين " وفي الحديث يقال للمؤمن

" اقرا وارق " 

4ـ الماهر بالقران مع السفرة الكرام البررة

عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الذي يقرأ القران وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القران وهو يتعتع فيه وهوعليه شاق له أجران " رواه البخاري ،قلت: ويكفي المؤمن شرفا كونه مع السفرة الكرام البررة وزيادة في شرفه أنه يقرأالقرآن كما انزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم

5ـ الشفاعة لصاحبه

 عن أبي امامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"اقرؤوا القرآن فانه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه " رواه مسلم

6ـ العطاء الجزيل من الله

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يقول الله سبحانه وتعالى من اشغله القرآن وذكري عن مسئلتي اعطيته أفضل مااعطي السائلين ، وفضل كلام الله سبحانه وتعالى على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه " رواه الترمذي ، قلت:قد يسأل المؤمن ربه اشياء وأشياء وينسى أشياء كثيرة فشغل المؤمن بالقرآن والذكر يكسبه فضيلة العطاء الجزيل من الله الحنان المنان

7ـ تقديم صاحب القرآن في الامامة والمشورة

قلت إن أصحاب القران العاملين به هم أهل الفهم والعقل والحل والعقد قال عليه الصلاة والسلام :" يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله تعالى " رواه مسلم . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :"كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولا وشبابا" روا البخاري في صحيحه

8ـ اطمئنان القلب

 كلما زادت صحبة  المؤمن للقرآن الكريم كلما سكن القلب وأناب لله حتى يصبح قلبا منيباّّ سليماّّ و يطمئن لذكر الله لقوله تعالى: " ألا بذكر الله تطمئن القلوب" الاية

9-الخلق الحسن

الصحبة الحقيقية تقتضي التخلق بأخلاق الصاحب وعلامة صدق الصحبة تحسن الأخلاق ورفعتها وإلا فلا،  بل ذلك ادعاء وافتراء، ولمّا سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت:

" كان خلقه القرآن "

10- مرتبة الشرف

هي أهلية الصاحب للقرآن بأن يكون من أهل الله وخاصته ، فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته

11- حفظ القرآن لصاحبه

قيل للحسن البصري فلان يحفظ القرآن قال:" بل القرآن يحفظه"

12- صاحب القرآن تجارته لن تبور

الركن الأول من التجارة التي لن تبور هو الصحبة

قال الله تعالى : "إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور" الآية

ـ مقيــاس الصحبة للقرآن الكريم

تقاس الصحبة للقرآن الكريم عند الصاحب بمدى التزامه وتخلقه بأخلاق الله وأخلاق نبيه صلى عليه وسلم ولا يمكن أن تكون الصحبة بدون أخلاق فان خير من صاحب القرآن الكريم هو الرسول صلى الله عليه وسلم فقد مدح الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله "وإنك لعلى خلق عظيم" الآية

ولما سئلت السيدة عائشة عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن الكريم

وعلى ذلك نهج أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم منهج النبي صلى الله عليه وسلم والذي كان ينزل القرآن بين ظهرانيهم فأصبحوا وكأنهم صحف من القرآن تمشي على الأرض علما وأدبا والتزاما وجهادا وأخلاقا حتى استحقوا وسام الرضا من الله قال الله تعالى: "والسابقون الاولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه " الآية . 

فحملة القرآن جمع غفير ولكن من صاحب القرآن كان من القليل القليل ولقد أكرمني الله برؤية بعض من أولئك القليل فكان مجاهدا بالكلمة والموعظة الحسنة ومطبقا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه قبل أن ينطق بها لسانه ، فلم أره يغضب إلا عندما تنتهك حرمات الله فحركاته لله وبالله فجل ما تعلمناه من السنة المطهرة كانت من فعله لا من قوله أمثال سيدي الوالد الشيخ أحمد ألحصـري والشيخ محمد الحامد والشيخ محمد هشام ألبرهاني رحمهم الله والمسلمين

ـ آداب الصحبة

 قلت من صاحب القرآن وجب عليه النصح لله ولكاتبه ولرسوله ولأئمة المسـلمين وعامتهم

 يقول الامام النووي رحمه الله في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن: ثبت في صحيح مسلم رضي الله عنه عن تميم الداري رضي الله عنه قال:

((إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة ، قلت لمن قال:لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ))

قال العلماء رحمهم الله: النصيحة لكتاب الله تعالى هي الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شئ من كلام  الخلق، ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها ،وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاغين والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله والاعتناء بمواعظه والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه والتسليم بمتشابهه والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرناه من نصيحته

قلت : آداب الصحبة هي نفسها آداب حامل القرآن يقول الإمام النووي (... ومن آدابه أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه إجلالا للقرآن .... شريف النفس.... متواضعآ للصالحين وأهل الخير والمساكين ... متخشعا ذا سكينة ووقار

فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال : " يا معشر القراء ارفعوا رؤوسكم فقد وضح لكم الطريق فاستبقوا الخيرات ولا تكونوا عيالا على الناس".

وقال الحسن بن علي رضي الله عنه : ان من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها في الليل ويتفقدونها في النهار

وعن الفضيل بن عياض قال: حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن

(2)،(3)،(4) نقلا من كتاب  التبيان في آداب حملة القرآن للامام النووي ،رحمه الله