سبحات، عز الطاعة وذل المعصية
في دعاء مأثور :
" اللهم إني أعوذ بعز طاعتك من ذل معصيتك "
حق أن الإنسان يمضي قدماً أبياً عزيزاً مادام عمله مطابقاً للشريعة التي اتخذتها أمته وتمسكت بها جماعته ، ويسكن إلى نفسه ويستريح في وجدانه كلما نظر في سيرته فلم يجد فيها مخزية يطأطئ لها أو جريمة يخزى بها . ويأمن من سره وعلانيته غير خائف أن يطلع الناس منه على ما يكرهون ، أو يفاجأوه مقترفاً جريرته ، مكذباً خفية ما يدعيه جهره ، فهو عزيز بعمله كريم بسيرته .
وترى الإنسان المتكبر المتجبر المختال المغتر بسلطانه ، تُسِفّ نفسه إلى المخازي فيخشى أن يطلع عليه فيهاب من يستصغره ، ويخاف من يحقره ، ويذل لخادمه ولكل إنسان يطلع منه على ما أسر من شناعة وأخفى من دناءة . وهو ، لولا إسفافه إلى المخازي ، عزيز كريم لا يهاب أحداً في سر أو علن ، ولا يطأطئ رأسه لعظيم أو حقير.
وانظر إلى الحاكم المسلط الذي ينظر إلى الناس ازدراء ، ويأمر فيهم وينهى عتواً وعلوا . انظر إليه حين تأخذه سورة القانون وقد ارتكب ما يؤاخذ عليه القانون .
انظر إليه في هوانه وصغاره وضراعته واستكانته ، تعلم فرق ما بين الاستقامة والاعوجاج ، والطاعة والمعصية ؛ فاحذر المذلة يا بني وقل : اللهم إني أعوذ بعز طاعتك من ذل معصيتك .
الكريم يستحي من نفسه
تعرض سائل لأحد الأجواد فأعطاه كثيراً . فقيل له : هذا كثير والرجل لا يعرفك . قال : ولكني أعرف نفسي . ورحم الله شاعر الترك الحماسي نامق كمال ، يقول : إن من يستحي من الناس ولا يستحي من نفسه يرى نفسه أخس الناس جميعاً .
إن الدرجة العليا من كرم النفس أن يتجنب المرء الدنايا ، ترفعاً وتكبراً عنها وإن أمكنت وتهيأت في مأمن من العيون ، وأن يحمل نفسه تكاليف المعالي ومشقات المروءة حبّاً لها وطموحاً إليها ، بما يراها جديرة بنفسه ، ويرى نفسه أهلاً لها ، لا يرجو من أحد جزاء ولا شكوراً ، ولا ينبغي بها رياءً ولا سمعة .
فهو يستحي من نفسه أكثر مما يستحي من غيره ، أنفة من الصغائر ، وعشقاً للعظائم ، ورحم الله شاعر العرب أبا الطيب يقول :
الكريم لا يبالي بسلطان القانون ولا سطوة السلطان ولا حكم الجماعة لأنه في غنى عن هؤلاء جميعاً بسلطان من قلبه لا يغفل ولا يضعف ، وسطوة من وجدانه لا تلين ، ولوم من نفسه لا ينقطع ؛ كذلك نريد الناس أحراراً إلا من سلطان الوجدان ، كراماً يستحيون من أنفسهم قبل أن يستحيوا من الناس .
وسوم: العدد 633