سعة لا تضيق أبداً !

لو أدرك كل مسلم في لحظة غضب على أخ له ، أو في أثناء محاولة انتقام ممن أساء إليه .. لو تذكر كل مسلم كمية الأحقاد والضغينة التي يحملها في قلبه على أناس ظلموه أو أساؤوا معاملته أو أخطؤوا في حقه بقصد أو بغير قصد .. لو تذكر كل مسلم وهو يقطع هذا الذي هو من رحمه أو من غير رحمه أو وهو يدعو في صلاته قاعداً قائماً على من ظلمه .. لو تذكر هؤلاء الغاضبون المنتقمون الحاقدون القاطعون الأرحام وغير الأرحام .. لو تذكروا أن رحمة الله وسعت ذنوبهم وخطاياهم وآثامهم ـ وما أكثرها ـ وأن قلوبهم لم تتسع لهفوات إخوانهم وأهاليهم وغيرهم .. لطهروا قلوبهم ولعفوا وصفحوا .

أعجب حين أتأمل الآيات والأحاديث التي تتحدث عن سعة رحمة الله وعن حلم الله على عباده وعن تكراره الغفران لهؤلاء العباد الذين يذنبون ليل نهار بلا كلل ولا ملل فإذا ما استغفروا وجدوا رباً سميعاً غفوراً لكل هذه الذنوب . لقد فتح لهم الرحمن الرحيم باب الرحمة ويحثهم على الاستغفار كلما أذنبوا ومهما كثرت ذنوبهم ما لم يشركوا بالله أو يأكلوا حقاً من حقوق عباد الله !

كيف لا تلتفت إلى قوله تعالى : (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) آل عمران / 136 . إن تذنب وتستغفر ولا تصرعلى ما فعلت أي تتواضع لله ولعباده يكن جزاؤك ليس المغفرة فحسب بل جنة تجري من تحتها الأنهار ! ومع ذلك فهناك بيننا من المسلمين من يصر على ذنبه ولا يستغفر ربه ولا يغفر لأخيه !

وقد وقفت على حديث جليل عظيم مهيب أتأمله أياماً بأكملها ، وأعود أنظر إلى أحوال الناس من حولي فأعجب لعباد فتح الله لهم أبواب الرحمة والمغفرة كما لم يفتح لهم قبلها ولا بعدها باب ومع ذلك فهم يصدون عن هذا الباب حين يصرون على ذنوب صغيرة وخطايا حقيرة تضيع في خضم بحر رحمة الله ولم تتسع لها قلوبهم . عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن عبداً أصاب ذنباً فقال : يا رب إني أذنبت ذنباً فاغفره لي . فقال له ربه : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له . ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً آخر فقال : يا رب إني أذنبت ذنباً آخر فاغفر لي قال ربه : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له . ثم مكث ما شاء ثم أصاب ذنباً فقال العبد : يا رب إني أذنبت ذنباً آخر فاغفره لي . فقال أرحم الراحمين : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فقال : غفرت لعبدي فليعمل ما يشاء (رواه البخاري ومسلم) . ووجدت الحديث القدسي يكمل هذا المعنى العظيم الذي يضربه الله عز وجل بنفسه في العفو والتسامح مع عباده لعلهم يتسامحون مع أنفسهم يقول الله عز وجل في الحديث القدسي : " يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ، يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة " .

سبحانك ربي وسعت كل شيء .. سبحانك ربي أكرمت ابن آدم فلم يكرم نفسه بطلب غفرانك بالإحسان إلى عبادك والعفو عنهم . إن المحروم يا إلهي هو ذلك العبد الذي يحرم نفسه كرمك ومن سعة مغفرتك .. إن الشقي يا إلهي هو ذلك العبد الذي تقوده شقوته إلى إغلاق قلبه دون رحمة الناس .. هو ذلك الذي يحمل في قلبه ذرة كراهية أو حقد أو انتقام من عبد من عبادك .

اللهم إني قد عفوت عن من ظلمني وأحسنت لمن أساء إليّ وتصدقت بعرضي على الناس ، فاسترني فوق الأرض واسترني تحت الأرض واسترني يوم العرض وأدخلني في واسع رحمتك يا أرحم الراحمين .

محطة :

وسوم: العدد 645