بلدنا في مولد
في الأسبوع الماضي تابعت مثل غيري، ما يذاع علي الناس في الإذاعات ، والفضائيات ، والصحف ، والنت ، فوجدت أن ما يقدم للناس ، من بعض مدعي العلم ، ومن بعض المشايخ الكبار في مناصبهم ، الصغار في علومهم ، ومعلوماتهم ، عبارة عن أقوال تدور حول أمرين :
الأول: الحقيقة المحمدية: وتكلموا في هذا الموضوع معتمدين علي مجموعة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، أو التي تتعارض مع القرآن، مثل:
1- أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ---- موضوع
2- كنت نبيا و أدم منجدل في طينته --- موضوع
3- كنت نبيا وأدم بين الماء والطين --- موضوع
وهذه الروايات وما شابهها تخرج بالحقيقة المحمدية من البشرية الفاضلة التي استحقت تلقِّي الوحي ، إلي صفات الهيولا والقدم ، التي تقرِّب هذه الذات من الإلوهية .
وقد جرت محاولات عبر التاريخ الإسلامي من بعض الأفراد الذين تأثروا بالأديان السابقة علينا، والتي جعلت من الرسول [ إلها ] يُعبد
وقد قام بالمحاولة الأولي عبد الله بن سبأ حين أعلن : إلوهية الإمام علي بن أبي طالب .
وقام بالمحاولة الثانية في العصر الحديث عام 1975م محمد عثمان عبده شيخ الطريقة البرهانية ، حين ألف كتابا سماه : ( تبرئة الذمة في نصح الأمة ) وفي صـــ 73 من هذا الكتاب قال : إن جبريل عليه السلام سأل النبي عن حقيقته فقال له :
"إذا وقفت عند سدرة المنتهى، عند باب غرفة الوحي ، وتلقيت الوحي ، فانتظر أمام الباب قليلا ، ففعل جبريل ما طلبه منه النبي صلي الله عليه وسلم ، وانتظر وبعد قليل ، فُتح الباب وخرج منه النبي محمد صلي الله عليه وسلم من الداخل ، وسلم علي جبريل ، و أمره أن يهبط إلي الأرض حتى يبلِّغ الوحي ، ولما نزل جبريل إلي الأرض ، وجد النبي محمد صلي الله عليه وسلم يجلس بجوار الكعبة ، فألقى عليه الوحي ، ثم قال له : الأمر منك و إليك وعلام التعب ؟
فقال له النبي محمد صلي الله عليه وسلم : عرفت فالزم ".
وقد تم نشر هذا الكتاب في جميع أنحاء العالم ، وفي مصر والبلاد العربية ، وحاولت أنا ونفر غيري إيقاف هذه المهزلة – لم يتحرك أحد من المشايخ من أصحاب الكراسي – ولم نستطع ، ولولا تدخل الرئيس السادات ، وأمر أمن الدولة وقتها ، بمصادرة هذا الكتاب ، وجمع النسخ التي بيعت ، حتى لو دفعوا الضعف لمن اشترى نسخة من هذا الكتاب ، ومنع الشيخ محمد عثمان عبده من دخول مصر ، ومصادرة جميع مقرات الطريقة البرهانية في مصر ، لكن ما فعله محمد عثمان عبده هو ما يحلم به كثير من الجهلة والمعتوهين ، من أدعياء العلم المحسوبين علي الدين ، وقد سمعت أحدهم في برنامج على إحدى الفضائيات يقسم بالله أنه لولا رسول الله صلي الله عليه وسلم ما خلق الله الكون ولا العباد ، وهذا يخالف القرآن الكريم جملة وتفصيلا ، ومع ذلك فالبعض من العلماء الآن فعلوا كما فعلت يهود ، ونبذوا القرآن خلف ظهورهم .
ومع هذا ظلت الحقيقة المحمدية هي الشغل الشاغل ، لقطاعات كثيرة من المسلمين ، ممن ينتحلون صفة العلم زورا وبهتانا ، وعند العامة كذلك ، والقرآن الكريم لم يترك هذه القضية للناس ، بل حددها بشكل واضح وقاطع قال تعالى :
أ- { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }سورة آل عمران الآية 144 .
، وفي هذه الآية يتحدث عن الحقيقة المحمدية ، و أنها بشرية ، ويحذر الناس ، من توهم حقيقة أخرى ، بعد موت النبي صلي الله عليه وسلم ، أو أن ينقلبوا علي أعقابهم – أي يعودوا لما قبل الإسلام لأن النبي صلي الله عليه وسلم مثل أي رسول ، لكنه مفضل مع الرسل الذين فضل الله بعضهم على بعض وما علينا إلا أن نؤمن كما وجهنا الله تعالى بقوله:
{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } الآية 285 سورة البقرة
ب – يقول الله تعالي عن الحقيقة المحمدية :
{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْبِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } سورة الكهف الآية 110
في هذه الآية يقول الرسول عليه الصلاة والسلام للناس : أن أهم شيء هو توحيد الله الحق ،
و أنا مثلكم ولا دخل لي في أعمالكم ، فمن يرجوا لقاء ربه ، أي يؤمن باليوم الآخر ، فعليه بالعمل الصالح لأنه طريق النجاة المستقيم ، ويلمح الله تعالي في هذه الآية علي لسان الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم : أنني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا بعد إبلاغ الرسالة كاملة
ويقول لهم كذلك: لا تدخلوني فيما بينكم وبين ربِّكم ، ولا تُحملوني أوزاركم ، فإخلاص العبادة لله
هو الطريق الوحيد للنجاة .
أما الذين يحاولون إثبات قدم النبي ، ووجوده قبل خلق أدم ويستدلون بهذه الأحاديث الموضوعة ، والتي تدور حول [ كنت ] نقول لهم هذه الكينونة ، [ كينونة علم ]
أم [ كينونة وجود ] إن كانت كينونة علم ، أي علم الله المحيط ، فهذا يشمل النبي وغير النبي ، والمؤمن ، والكافر ، وكل المخلوقات لأن علم الله لا يتجزأ ، ولا يمكن أن ننسب إليه التقديم ، والتأخير ، لأن هذا سقط في التوحيد ، قد يصل إلي الكفر ، والعياذ بالله .
أما إن كانت كينونة وجود، فهذا تكذيب للقرآن الكريم، ومسخ لمعانيه، وهذا لا يجوز من عالم أو جاهل، لأنه في النهاية يؤدي إلي الكفر .
ذلك أن أول الخلّق هو [أدم ] عليه السلام كما قرر القرآن، وهناك آيات ترفع مقام الرسول بسب الوحي { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا } الآيتين 46،45 من سورة الأحزاب ، وقد ظن بعض الناس : أن السراج المنير هنا ، هو الضوء المعروف الذي يضيء الغرفة التي يوجد بها الرسول صلي الله عليه وسلم ، ويضيء الشارع الذي يمشي فيه ، وهذا لم يثبت فوق أنه يجافي العقل، إنما السراج المنير هو الوحي الذي يضيء القلوب المظلمة الكافرة، فيحولها إلي الإيمان بنوره وشعاعه.
وتحدث البعض عن صفات النبي صلي الله عليه وسلم الجسدية وبالغوا في ذلك إلي درجة البعد عن الحقيقة ، نعم، لقد فتت رسول الله بكفه صخرة عجز عن كسرها ثلاثة وعشرون رجلا من الصحابة، في غزوة الخندق !
وقد بدأ برعي الغنم وعمره ثلاث سنوات في بني سعد، وعاد إلي مكة فرعاها لكل أهل مكة بالتبادل ، ثم عاش تاجرا حتى بُعث ، يسير في الجبال ، ويدق الأوتاد للنوق والجمال ، ثم عانى ما عانى بعد التكليف بالرسالة ، ودخل الحرب ، وسافر مع أصحابه ولما ذهبوا لذبح شاة اختار هو جمع الحطب فكيف لا يكون بشراً يوحى إليه!
اتقوا الله أيها الناس، ولا تذيعوا علي شباب المسلمين ما يحببهم في النعومة والخنوسة
إنكم تتحدثون عن بطل الأبطال، ولكنكم بنعومة أكفكم وجلودكم لن تصلوا إلي شيء من عظمته، هذا الرسول العظيم كان الناس يُسلمُون له قبل أن يصل إليهم بمسيرة شهر كامل، وكان يرسل الرسائل إلي الملوك فيقول لأحدهم : أسلم تسلم.
وكان يجهر بالحق في وجه كل مشرك أو كافر من أعمامه.
اتقوا الله في الرسول أيها الناس إن كنتم تعقلون.
والغريب أن البعض يستشهد بأشعار الإمام البوصيري، الشاعر المحب الذي من حقه أن يقول ما يشاء، لأن الشعر لا سقف له.
لكن أن يتحول شعره إلي عقيدة، فذلك علامة علي خراب العقول الآن ، وخراب الدنيا بعد ذلك، إن البوصيري حين يقول :
وشدّ من سغب أحـــــــشاءه وطوى تحت الحجارة كشــــــحا مترف الأدم
لا يعني أن نحبب الناس في الفقر، فهذا فكر يهودي أُدخل علي الثقافة الإسلامية، ويتلقفه الأغبياء من المسلمين.. لقد كان رسول الله يعطي كل ما عنده للمسلمين وهو أولى بهم من أنفسهم ، فهو يعطي عن غنى ولا يعطي عن فقر.
وبعض المسلمين يعشقون الفقر بسبب هذا الدس اليهودي.
يقول البوصيري أيضا :
وراودته الجبال الـــــــشمّ من ذهب عن نفسه فـــــــــأراها أيّما شمم
ولو حدث لأخذ الرسول الجبال الذهب و أنفقها علي إنماء المسلمين وتقوية جيوشهم وحصونهم، ولكنه الشعر.
ويقول : محمد سيّد الكــــــــونين والثقلين . هذا كلام لم يصرَّح بمثله في القرآن . أما بالنسبة للشاعر فهو قد غلبه حبه للنبي صلي الله عليه وسلم ولا حرج عليه.
ويقول : نبيّنا الآمر الـــــــــنّاهي.
الله هو الآمر الناهي . وإذا أمر النبي بشيء أو نهي عن شيء فهو يطبق مراد الله تعالي
في قرآنه .
ويقول أيضا :
هو الحبيب الذي تــــــرجى شفاعته لكلّ هول من الأهــــــــوال مقتحم
ليست هناك شفاعة إلا بإذن الله، ولا شفاعة إلا برضاء الله، وقد تُرفض الشفاعة من الرسول صلي الله عليه وسلم ومن غيره في مقام الحضرة الإلهية . وقد جرَّب الرسول ذلك وحاول الشفاعة لعمه أبي طالب فلم تُقبل ، وقال الله له :
{إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } من الآية 56 سورة القصص
وحاول الاستغفار لبعض المنافقين فقال الله له :
{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } الآية 80 سورة التوبة.
من يشفع لتجار المخدرات الذين يدمِّرون شعوبا من الأمة الإسلامية ؟
من يشفع لتجار الصحة وغش الناس ؟
من يشفع للصوص اللقمة الخاصة بالفقير ؟ من يشفع للصوص الأراضي الفدان
بــ : 50 جنيها زراعيا ويباع مباني بعشرين مليونا ، من يشفع للذين يغشون الدواء ، والذين يعيدون طرحة في غلاف جديد بعد انتهاء مدة صلاحيته ، ويتناوله الفقير فيزداد مرضه ؟
لا شك أن رسول الله صلي الله عليه وسلم له شفاعة مثل باقي الأنبياء والناس من كل الأديان حين كانت الأديان صحيحة، وهذا ما صرح به القرآن، وخلْق عقيدة خارج القرآن والسنة التي لا تعارضه، هو قفز علي كل الحبال وتحطيم لكل الآمال!
وسوم: العدد 648