الاحتفال بمناسبة المولد النبوي بين أهل التبديع وأهل التمييع

تحظى مناسبة المولد النبوي بتقدير المغاربة منذ عصور، وذلك لشدة حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن فئتين محسوبتين على التدين تسيء إلى هذه المناسبة كل منهما على طريقتها الخاصة . ولا بد من الإشارة إلى أن الفئتين بينهما خلاف  قديم في طريقة التدين ، وهما على طرفي نقيض ، والقاسم المشترك بينهما هو تعصب كل فئة لاعتقادها والطعن في اعتقاد غريمتها . أما الفئة الأولى فهي الفئة التي تبدع الاحتفال  بمناسبة المولد أي تعتبره  بدعة وضلالة. وأصحاب هذه الفئة يحاولون التميز عن باقي الناس بهيئاتهم حيث يرسلون لحاهم ،ويحلقون شواربهم ،ويقصرون عباءاتهم ويلبسون أحيانا فوقها ما يشبه الأزياء العسكرية على الطريقة الأفغانية  ، وينتعلون أحذية رياضية ، وتتميز إناثهم عن غيرهن بلبس السواد الذي يلف كل شبر في الأجساد بما في ذلك العيون . ويعلو وجوهه عبوس  دائم ، وهم يتجهمون الناس ، ويحرصون على إظهار الفظاظة والغلطة والشدة ، وينصبون أنفسهم أوصياء على الدين ، ويحرصون على التميز في صلاتهم عن عموم المصلين، فيبالغون في القيام والركوع والسجود حيث تنفرج أرجلهم  أقصى ما يستطيعون وبدرجات زائدة عن  انفراج  أرجل غيرهم ، ويحكون أقدامهم بأقدام من يليهم  من المصلين ،وتشد أيديهم فوق صدورهم عند نحورهم ، ولا يأتمون بالإمام حيث يركعون ويسجدون متأخرين عنه بلحظات، وهم دائما في حالة  شرود عن جماعة المصلين ، ولا يرفعون أيديهم بالدعاء مع المصلين ، ولا يصلون على النبي معهم ،ولا يحضرون قراءة الحزب حين يتلى جماعة ، وإذا حضروا  قراءة الحزب بالغدو والآصال أخرجوا مصاحفهم من عباءاتهم ،واشتغلوا بالقراءة الفردية السرية عن الانصات للقراءة الجماعية التي يبدعونها . وقد يتعمدون التأخر عن حضور صلاة الجماعة للصلاة خلف واحد منهم لاعتقادهم أن صلاتهم هي أصح صلاة . هؤلاء القوم يبدعون الناس أي يتهمونهم بالبدع في كل شيء لا يوافق اتجاههم وما يعتقدون وما يأتون من أفعال ينسونها للنبي وكأنهم أخذوها عنه مباشرة ودون واسطة ، ويعطون لأنفسهم حق الحكم على خلق الله عز وجل وكأنهم قد أوكل إليهم أمر الحكم على هذا الخلق ، ومنهم خرج عجب هذا الزمان من تكفير وتجريم وعنف وإرهاب... وهم على باقي الخلق ناقمون يفسقونهم  في حلق اللحى، وفي العفو عن الشوارب ، وفي ارتداء ملابس العصر ، وفي قراءة القرآن جماعة ،وفي الدعاء والتأمين عليه ،وفي الصلاة على النبي عقب كل صلاة ، وفي التصافح بعد الصلاة . أما ارتياد المقاهي فهي عندهم من الموبقات ، وأما مشاهدة الفضائيات فمن الكبائر التي يخلد صاحبها في نار جهنمهم  هم ،لا جهنم رب العالمين . والويل لمن جهر بالشهادتين أثناء تشييع جنازة ، ولقد بلغ بهم الأمر حد اقتناء سيارة لنقل الأموات ووضعها رهن إشارة من يموت منهم أحد حتى لا يجهرون بالشهادتين أثناء التشييع ، وقد اتخذت هذه السيارة وسيلة لاقتحام أصحابها بيوت الناس لفرض تدينهم عليهم، وكأن استعمال هذه السيارة هو ثمن فرض هذا التدين . والويل لمن قرأ أثناء حضورهم الجنائز ما تيسر من القرآن . وكل محدثة على الإطلاق عندهم بدعة مع أنهم يقتنون  أحدث المخترعات وكلها محدثات  من هواتف ذكية وحواسيب وسيارات، ويركبون البواخر والطائرات ، ويلعنون المضيفات العاريات الكاسيات ، وهم يقولون سبحان الذي سخر لنا هذا  وما كنا له مقرنين  وإنا إلى ربنا لمنقلبون . هؤلاء  ولهم أوصاف غير هذه بها يعرفون هم الذين يبدعون الاحتفال مناسبة المولد لأن الفئة الأخرى المناقضة لهم يجتمع  أصحابها حول كبير لهم  يعتقدون فيه القداسة لزعمه أنه ينهل مباشرة  من الرسول صلى الله عليه وسلم ،ويأخذ عنه مباشرة ، وأنه يسد مسده ،فيعامله من حوله معاملة الصحابة للنبي فيتهافتون على ما يفضل عنه من ماء الوضوء يتبركون بشربه  طلبا للبركة . ويخوض وصي النبي بأصحابه طقوسا خاصة بهم تقوم على سماع  الإنشاد المهيج للعواطف الجياشة التي تفقد أصحابها التحكم في حركاتهم ،فيصدر عنهم كل غريب من الأصوات والحركات قد تعقبها إغماءات وأحوال لا قبل للناس العاديين بها .  ويقبل هؤلاء أيدي بعضهم البعض في أدب غير معهود . ويقبلون على كل الناس سواء أرسوا لحاهم أم حلقوها، وسواء لبسوا الإفرنجي أو القندهاري طمعا في جرهم إلى من يعتقدون فيه البركة والوصاية على سر النبي، وأتباعهم شعوب وقبائل الأحمر والأسود والعربي  والأعجمي، وهم أهل ولائم وموائد يسيل لها لعاب الطفيليين، وهؤلاء هم الذين يميعون مناسبة المولد النبوي فيخرجون على الناس بما لا يوجد في كتب الصحاح من طقوس تترواح بين مجرد شطحات  وآهات أو تأوهات وبين إتيان غرائب الأمور من شرب ما لا يشرب، وأكل ما لا يؤكل مع إصابة الأجساد بأضرار، وكل ذلك من بركة من يعتقدون فيه البركة، وعلى عموم الناس التلسيم ليسلموا وإلا فالويل لهم والثور وعواقب الأمور، والنقمة تنتظرهم وتأتيهم من حيث لا يحتسبون . وكلما اشتد تبديع المبدعين لمناسبة المولد اشتد معه تمييع المميعين لها ، والصراع بين الفئتين متواصل لا نهاية له وهو استمرار لصراع مرجعيات هؤلاء وهؤلاء، وإلى الله عز وجل مرد الجميع  ليحكم بينهم الحق والعدل وليوفيهم أجورهم كاملة غير منقوصة ، وقد خاب  يومئذ من حمل ظلما.

وسوم: العدد 648