صلاة الجماعة

الشيخ عبد العزيز رجب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى أله وصحيه ومن والاه وبعد،

من حكمة الله سبحانه وتعالى، أن شرّع للمسلم كثيراً من العبادات، تؤدى جماعات، وجعلها من أعظم الشعائروأجل الطاعات، فيختلط المسلم بالناس والأفراد، ويبتعد عن العزلة والانفراد، ويزيل الهموم والمنغصات، فت-هدأ نفسه وتقر عينه وترتفع المعنويات، و الصلوات من أهم هذه العبادات، قال تعالى:{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ} [البقرة:43].

فما هو فضل صلاة الجماعة؟ وكيف حذر الإسلام من التهاون في أدائها؟ وكيف كان السلف الصالح حريص عليها؟ وما هي الوسائل المعينة على صلاة الجماعة؟

فضل صلاة الجماعة

صلاة الجماعة من أفضل القربات التي يتقرب بها المسلم لرب الأرض والسماوات، لذلك ينال الأجر العظيم في الدنيا والآخرة.

ففي الدنيا: يشهد الله عز وجل لمن يحافظ عليها في المسجد بالإيمان والهداية، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَىٰ ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ}[التوبة:18].

وفي كل مرة تذهب إلى المسجد لحضور صلاة الجماعة، فإن لك من الأجر كأجر حجة، فقد روي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ» رواه احمد وأبو داود.

والمحافظ عليها كأنه في صلاة حتى يرجع إلى بيته. روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا توضَّأَ أحدُكُم في بيتِهِ ثمَّ أتى المسجدَ، كانَ في الصَّلاةِ حتَّى يرجعَ، فلا يقُلْ هَكَذا، وشبَّكَ بينَ أصابعِهِ» أخرجه الحاكم.

وأفضل من صلاة الفرد، كما روي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ  صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». وفي رواية عن ابن عمر«بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». أخرجهما: البخاري وأحمد.

ويمحُ الله بصلاة الجماعة الخطايا، ويرفع بها الدرجات كما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدلُكم على ما يمحو اللهُ بهِ الخطايا ويرفعُ بهِ الدرجاتِ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ! قال: «إسباغُ الوضوءِ على المكارهِ، وكثرةُ الخطا إلى المساجِدِ، وانتظارُ الصلاةِ بعدَ الصلاةِ، فذلكمْ الرباطُ ». أخرجه: مسلم.

وأجر صلاة الفجر والعشاء جماعة كأجر من قام الليل كما روي عن عثمانُ بنُ عفانَ رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول: «من صلى العشاءَ في جماعةٍ فكأنما قام نصفَ الليلِ، ومن صلى الصبحَ في جماعةٍ فكأنما صلى الليلَ كلَّهُ». أخرجه مسلم وابن حبان.

وأما في الآخرة: فيستظل تحت ظل عرش الله، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي   صلى الله عليه وسلم، قال: «سبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه.... ورجلٌ قلبُه مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ..» أخرجه: الشيخان.

 وللمصلي نور يوم القيامة: روي عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه الترمذي وأبو داود.

كما أعد الله له مكاناً في الجنة، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من غدا إلى المسجدِ أو راح، أعدَّ اللهُ له نُزُلًا من الجنَّةِ كلَّما غدا أو راح» متفق عليه.

وكتب الله له براءة من النار والنفاق، كما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن صلَّى للهِ أربعينَ يومًا في جماعةٍ يدركُ التَّكبيرةَ الأولَى كُتبَ له براءتانِ براءةٌ من النَّارِ وبراءةٌ من النِّفاقِ» أخرجه: الترمذي.

التحذير من التخلف عن صلاة الجماعة

وإذا كان الإسلام أعطى الأجر الكبير لمن حافظ على صلاة الجماعة، فقد حذر أشد التحذير من التفريط في أدائها جماعة، حتى أثناء الحرب والخوف تقام صلاة الجماعة كما قال سبحانه: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}[النساء:102].

فعُد المتخلف عن صلاة الجماعة وخاصة العشاء والفجر من المنافقين، روي عَن أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» البخاري ومسلم.

ولم يرخص صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ترك الجماعة حتى للأعمى، روي عَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ. قَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَحَيَّ هَلًا» أخرجه النسائي وأبو داود.

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ» أخرجه أبو داود والنسائي.

ولذلك روي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه،  قال:"لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، فقيل له: يا أمير المؤمنين ومن جار المسجد؟ قال: من سمع الأذان. (كتاب: المحلى 4/195)

حرص السلف على صلاة الجماعة

ولهذا الفضل العظيم لأدائها جماعة، والتحذير الشديد من التخلف عنها، كان السلف الصالح   رضي الله عنهم أجمعين حريصين أشد الحرص على صلاة الجماعة، رجالا ونساء ولهذا شواهد منها:

روي عن أم المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها، قالتْ: "إنْ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليُصلِّي الصبحَ فيَنصرِفُ النساءُ متلفِّعاتٍ بمُروطهنَّ، ما يُعرَفْنَ من الغَلَس". متفق عليه

وهذا سعيد بن المسيب لم تفته صلاة الجماعة مدة أربعين سنة، وكان يقول:"ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد".

وهذا ربيعة بن يزيد يقول: "ما أذن المؤذن لصلاة الصبح منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً".

وهذا سليمان بن مهران رأى ابنته تبكي عند رأسه في مرض موته فقال لها: "ابكِ أو لا تبكِ فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الجماعة ستين سنة.

وهذا القاضي تقي الدينِ سليمان يقول: "لم أصل الفريضةَ قط منفرداً إلا مرتين. وكأني لم أصلها قط".

وهذا إبراهيم ابن ميمون الصائغ، كان نجاراً، وكان إذا رفعَ المطرقة ليطرق مسماراً ثم سمع المؤذن ألقى المطرقة، وذهب إلى الصلاة.

وسائل تعين على صلاة الجماعة

من أهم الوسائل التي تعين على صلاة الجماعة:

-          تنظيم الوقت ونشاطات الحياة حسب مواعيد الصلاة

-         مُصاحبة المصلين والصالحين

-         تجنب قرناء السوء

-         معرفة فضل وثواب صلاة الجماعة

-         إدراك خطورة التخلف عن صلاة الجماعة

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وسوم: العدد 651