دروس تربوية من سورة التوبة
حين يجد الجد ، وحين تدور الدائرة علي المسلمين ، وحين يشتد الأمر علي الفئة المؤمنة القليلة التي تواجه أهوال تكالب الكافرين عليها فيعانوا من الحصار الشديد لأهل البغي عليهم ، يبحث المؤمنون عن إخوان لهم من بني جلدتهم ، ينادونهم لما لم تخرجوا معنا ، ولم لا تساعدوننا ، ولم تتركونا في المواجهة وحدنا ، ولم لا تقووا ظهورنا ، ولم لا تمدوننا بعون تكثير سوادنا أو بسلاح أو حتى بغذاء أو تخلفوننا في أهلنا ؟
والحقيقة أن من يريد الجهاد لا ينتظر تكليفا ، ولا ينتظر دعوة أو نداء أو استغاثة ، الحقيقة أن هؤلاء الذين ينتظرون النداء هم سمة كل زمان ، فيهم نزلت آيات ربنا ليحذرنا منهم ويعلمنا عنهم ما لا نعلم بطبيعتنا البشرية التي لا تعرف الغيب ، هؤلاء موجودون في كل امة ، يتسمون باسم أبنائها ، ويدينون ظاهرا بنفس الدين لكن الله عز وجل أعلم بما في قلوبهم ، وأعلم بما يمثلونه من فتنة وسط الصفوف فثبطهم ليقعدهم ويطهر الصفوف منهم
هؤلاء ــــ وإن كثروا ــــ لا يريدون للمؤمنين خيرا ، شانهم في ذلك شأن أعداء الدين يأكلون علي كل الموائد ومصلحتهم في استمرار الفساد وهزيمة المؤمنين ، يتقوتون الحرام ويتمسحون في أحذية الحكام ويفضلون العبودية للبشر والكسب السريع وإيثار السلامة علي العبودية لله والسفر البعيد الشاق وانتظار أجر غير مضمون بنظرهم لانتفاء الإيمان في قلوبهم ، يقول الله عز وجل فيهم في سورة التوبة " لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) " هم يبحثون عن المغنم الدنيوي لعدم ثقتهم بالمغنم الأخروي ، ولعدم ثقتهم في نصر المؤمنين ، ولعدم ثقتهم فيما عند الله ، هؤلاء لا ينتظرون داع ، فمن يريد الخروج يعد له العدة " وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) " .
ثم أيها المؤمنون لا تحزنوا علي هؤلاء ، ولا تطلبوا منهم خروجا ولا عونا " لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47( ، هؤلاء هم سبب الفرقة ويتمنونها ويحرصون عليها ، هم سبب القلاقل والفتن وتخذيل المسلمين ونشر الذعر واليأس في صفوفهم ، وأنتم فيكم الضعيف ، والخائف لهم يستمعون وبهم يتأثرون ، فخروجهم معكم خسارة لكم ، فثبطهم الله وأقعدهم مع النساء والأطفال ، بل في زماننا النساء خير منهم ، وها هي نساء المسلمين في كل بقاعها تخرج وتجاهد وتثور وتذود عن الدين رغم الموت الذي يحيطها من كل اتجاه ، ورغم شدة ما تلاقيه من فقد للابن والزوج والأب ، هؤلاء هم الفتن فلا تعولوا عليهم ، هؤلاء يحسنون قلب الحقائق فيصوروا للناس زيفا الحق باطل والباطل حق ، يحسنون صناعة الكلام والتماس الأعذار ، يتهمون المجاهدين بالفرقة وهم سببها وصانعيها ، وذلك تاريخهم لا تنسوه " لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)
هؤلاء لا يقبلوا لكم نصرا بل ويسعون لهزيمتكم ، ويتحالفوا مع عدوكم ليستخدمهم لتفتيت صفوفكم ، يحملون رايات زائفة تحت أسماء خادعة مبادرات واصطفاف وحقن الدماء وتوحيد صفوف المسلمين وكلمتهم وهم لا يرون أن الله كاشف زيفهم وراد كيدهم إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ (50) قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 51)
أيها المؤمنون المجاهدون في كل بقاع بلاد المسلمين ، لا تنتظروا عونا إلا من الله ، لا تلتفتوا لقوم لو أرادهم الله لأتي بهم ، افعلوا ما عليكم من الإعداد امتثالا لأمر الله تعالي " واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ، ترهبون به عدو الله وعدوكم " فسنة الله جارية علي الجميع ولا تحابي أحد ، ومن حسن الظن بالله أن تأخذوا بسننه ، ومن حسن الإيمان بالله أن تفعلوا ما عليكم ، كل ما عليكم وتوكلوا علي الله وحده وهذا هو حسن التوكل وما دونه هو استهزاء بالله وحاشاكم ذلك وأنتم من تحملون رايته وتجاهدون باسمه
إن سنن الله غالبة فأعدوا أنفسكم في الأرض ثم التمسوا العون للتوفيق من السماء
وسوم: العدد 655