الثبات صفة المؤمنين
الثبات صفة من صفات المؤمنين يأمرهم بها ربهم ويحثهم عليها.
والثبات يحتاج إلي نية خالصة، وإيمان صادق في وعدالله ووعيده، وعمل بما جاء به رسول الله صل الله عليه وسلم.
ولقد خاطب رب العزة المؤمنين بالثبات عند ملاقاة الأعداء علي أن يستعينوا بذكره حتي يحقق لهم النصر والفلاح.
( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وأَطِيعُوا الله ورَسُولَهُ ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِرُوا إنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ (46) سورة الأنفال.
ويقول الإمام البنا رحمه الله عن ركن الثبات:
}وأريد بالثبات أن يظل الأخ عاملاً مجاهداً في سبيل غايته ، مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام ، حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين ، فأما الغاية وإما الشهادة في النهاية{ .
والثبات علي تكاليف الإيمان والعمل بها إنما هو جهاد يحتاج إلى صبر، وأمانة ذات أعباء، فقد روى حارثة رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم سأله: " كيف أصبحت يا حارثة ؟
فقال رضي الله عــنه: (أصبحت مؤمناً حقا يا رسول الله).
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: }إن تقل قل حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟
قال رضــي الله عنه: ( يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أرى عرش ربي بـــــارزاً، وأرى أهل الجنة يتزاورون وأرى أهل النار يتضاغون).
فقال النبي صل الله عليه وسلم } عرفت فالزم {.
كما روى الإمام مسلم أن رسول الله صل الله عليه وسلم جاءه رجل فقال يا رسول الله: " قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحد بعدك ".
فقال النبي صل الله عليه وسلم " قل آمنت بالله ثم استقم " .
فالثبات يعني الصمود علي طريق الحق مهما لاقى المؤمن من الإبتلاءات، فما يدري أن عدوه يلاقي أكثر منه ، فالخوف والرعب وجهل الهدف والفقد في تحقيقه من البلاء الذي يصيب الأعداء ولا نشعر به أحياناً، ولذا يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في ظلال القرأن : (فأما الثبات فهو بدء الطريق إلى النصر، فأثبت الفريقين أغلبهما، وما يدري الذين آمنوا أن عدوهم يعاني أشد مما يعانون، وأنه يألم كما يألمون، ولكنه لا يرجو من الله ما يرجون ، فلا مدد له من رجاء في الله يثبت أقدامه وقلبه، وأنهم لو ثبتوا لحظة أخرى فسينخذل عدوهم وينهار).
والثبات هو الإقدام والشجاعة التي أمر بها ربنا تبارك وتعالي عند ملاقاة الأعداء فقال في سورة الأنفال ( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45).
إن طريق النصر طريق ليس من السهل بمكان، فهو طريق طويل المدى ، متعدد المراحل، كثير العقبات كما بين الإمام البنا لمريديه، ولذا فإنه يحتاج إلي إعداد جيد للنفس لتثبت عليه ، ولا تتزعزع لحظة حتي يحققه الله لها أوالشهادة دونه.
كما أن الثبات علي الطريق يحتاج إلي أخوة مخلصة، صادقة، مترابطة ذات هدف واحد وإن تنوعت وسائلها أواختلفت أرائها، فلن تخالف مبادئها أو تحيد عن غايتها.
فالإختلاف يولد الشحناء والتباغض والتنازع الذي يؤدي بدوره إلي الفشل.
فنحن نختلف ولا نخالف، والمؤمنون يد واحدة علي من سواهم.
ويقول الإمام البنا في إحدى رسائله : ( إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده ولست مخالفا هذه الحدود التي اقتنعت كل الإقتناع بأنها أسلم طريق للوصول .. أجل قد تكون طريقاً طويلة ولكن ليس هناك غيرها ، إنما تظهر الرجولة بالصبر و المثابرة و الجد والعمل الدائب فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات) .
لقد تربى الصحابة على هدى نبيهم صل الله عليه وسلم فصبروا وثبتوا ولم يضعفوا ولم يستكينوا حتى لقوا ربهم فمنهم من فاز بالشهادة و منهم من أقر الله عينه بالنصر، فاصبروا وثبتوا وأوفوا بالعهد حتي تلقوا الله.
( مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) سورة الأحزاب.
وسوم: العدد 658