الحكمة من الإسراء والمعراج
الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
رحلة الإسراء والمعراج كانت من المعجزات الكبرى في حياة النبي –صلى الله عليه وسلم- حيث أنها غيرت مجرى حياته، وحياة الأمة الإسلامية بعد ذلك.
والحديث عن تلك الرحلة المباركة وتلك المعجزة الفريدة لا ينقطع، لكننا أردنا أن نتكلم عن الحكم والإسرار والسبب في تلك الرحلة المباركة، ونطرح بعض الأسئلة: لماذا أُسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؟ ولماذا كانت تلك الرحلة بالذات إلى تلك الأماكن المباركة دون غيرها؟، وهل كان لرحلة الإسراء والمعراج أثرٌ في حياة النبي –صلى الله عليه وسلم– وحياة أمته؟ فقد ذكرها الله -عز وجل- في كتابه في أكثر من موضع من القرآن الكريم، ففي مطلع سورة الإسراء -والتي تسمت باسم تلك الرحلة- قال تعالى: }سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{ [الإسراء :1]
وفي مطلع سورة النجم: }وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18){
دورة تدريبية:
رحلة الإسراء والمعراج هيأت حياة النبي –صلى الله عليه وسلم- للمرحلة المقبلة.
فالمرحلة التي سيقابلها النبي –صلى الله عليه وسلم- مرحلة ضخمة وصعبة، سيكون هناك أمرٌ غير الذي تعود عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ستكون هناك دولة، وسيكون هناك أمم وشعوب غير التي تعرف عليها قبل الإسراء والمعراج، سيواجه عدة جبهات (الجبهة الوثنية، والجبهة المجوسية، والجبهة اليهودية ، والجبهة النصرانية، وجبهة المنافقين ... ) فالأمر يحتاج إلى دورة تدريبية، وإعداد وتهيئة نفسية غير عادية، فكانت رحلة الإسراء والمعراج عبارة عن دورة تدريبية، وإعداداً للمرحلة المقبلة.
وتلك الدورة التدريبية والتجهيز النفسي حدثا أيضا للأنبياء السابقين، وإن لم يحدثا على هيئة رحلة الإسراء والمعراج.
فقد حدثت لموسى عليه السلام، كما قال تعالى في سورة طه: }وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12).{ طه
معرفة قدر النبي –صلى الله عليه وسلم- وبيان فضله:
لقد لاقى النبي –صلى الله عليه وسلم- من أذى المشركين في مكة والطائف الكثير، وتعنتهم معه، فأراه الله آياته الكبرى، وأراه مكانته عند أهل السماء، وكشف له حجب الزمان، وطوى له حواجز المكان، بإرادته الماضية، ومشيئته النافذة، فجمع له النبيين أجمعين في المسجد الأقصى المبارك، وصلى بهم إماما، وصعد إلى مكان لم يصل إليه أحد من الخلق. يقول له جبريل: وما منا إلا وله مقام معلوم، فيظهر فضله على أهل السماوات كما ظهر على أهل الأرض.
لاستقبال أمر مهم وهو الصلاة:
ولله المثل الأعلى -فمن عادة الملوك ورؤساء والدول حينما يكون هناك أمر مهم وجلل-، أن تستدعي سفراءها، ولا تكتفي بأن ترسل إليهم رسالة، إنما تستدعيهم للتشاور في الأمر، وإبلاغهم بالأمر الجلل.
والله أراد أن يستدعي سفيره بينه وبين خلقه وهو محمد –صلوات ربى وسلامه عليه- ليخبره بالأمر الخطير، وهو فرض عمود الإسلام عليه وعلى أمته وهي الصلاة، إيذانا بأهميتها في حياة المسلم والمجتمع المسلم ككل .
ويُبلغ النبي –صلى الله عليه وسلم- بذلك من فوق سبع سماوات، وهي الفريضة الوحيدة التي فرضت هكذا، ويظل النبي –صلى الله عليه وسلم- بين موسى عليه السلام وربه –عز وجل–يسأله التخفيف حتى صارت خمس صلوات بدل خمسين، فعَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ –رضى الله عنه- قَالَ: حَدَّثَنَا نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: « ...فرض عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسُونَ صَلاةً، فَأَقْبَلْتُ بِهَا حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَأَنْبَأْتُهُ، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَاكَ، وَإِنِّي بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكِ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى، فَأَنْبَأْتُهُ بِمَا حَطَّ عَنِّي، فَقَالَ مِثْلَ مقَالَتِهِ، فَمَا زِلْتُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى، يَحُطُّ عَنِّي خَمْسًا خَمْسًا حَتَّى رَجَعْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ، فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ لِي مِثْلَ مقَالَتِهِ، فَقُلْتُ: لَقَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى لَقَدِ اسْتَحْيَيْتُ، لَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، فَلَمَّا جَاوَزْتُ نُودِيتُ: إِنِّي قَدْ خَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَجَعَلْتُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا». (متفق عليه)
الربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى:
فالله -عزوجل- أراد أن يربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى بعلاقة وثيقة من خلال تلك الرحلة المباركة، كما ربط بينهما فى الآية الأولى من سورة الإسراء، قال تعالى: }سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{ [الإسراء:1] لتكون هناك علاقة وثيقة بينهما في كل عصر، وهو أمانة في أعناق المسلمين كمكة والمدينة، فقد قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه: وما القدس إلا كمكة والمدينة.
فلا بد من المحافظة عليه واسترجاعه، ليكون تحت رعاية المسلمين، ومن يفعل ذلك ويساعد على فعله فهو من الطائفة المنصورة التي على الحق إلى يوم الدين، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ "قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَال :بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِس ». (أخرجه: البخاري وابن ماجة وهو صحيح).
هذا ونسأل الله العلي القدير أن يحرر القدس الأسير، وأن يعيده للمسلمين، وأن يتقبل منا صالح أعمالنا، وأن يغفر لنا أجمعين.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وسوم: العدد 666