التسليم للفقهاء
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: (التسليم للفقهاء سلامة في الدين)
فتوى من شيخنا وفقيهنا الدكتور أيمن هاروش
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، إجابة على سؤال حول مشاركة بعض الفصال في معارك ريف حلب الشمالي ضد الدواعش، أقول وبالله التوفيق:
إن الإجابة يجب أن تكون مبنية على تصور صحيح للواقع الذي تسير فيه الاعمال العسكرية بالإضافة للأحكام الشرعية وعليه أوضح تلك المقدمات:
1- إن داعش جماعة أضرت بالجهاد والمجاهدين ولا يزال ضررها يطالهم بمناطق وجود المجاهدين ولا يخفى الحال الذي وصل إليه الجهاد بسببهم، وضررهم وقتالهم للمجاهدين مبني على حكمهم على المجاهدين بالردة، لذا اجتمع فيهم التكفير بغير حق وسفك الدم وهو أصل الخوارج الأصيل، وعليه استحقوا هذا الوصف وزادوا عن الخوارج الأوائل بصفات سيئة لم يعرفها الأوائل كالغدر والكذب.
والخوارج مسلمون في أصح قولي أهل العلم، وهناك من قال بكفرهم
على أنه ظهرت في الآونة الأخيرة لهم أفعال تشير إلى تنسيق مع النظام ومظاهرة له على المجاهدين كما في تدمر ومدرسة المشاة مما جعل البعض من العلماء يقول بوقوعهم في مناط ردة وحكم بها عليهم.
2- إن الجيش التركي يأخذ حكم الحكومة القائمة عليه، وهي حكومة مسلمة بأعيانها وشخصها، وإن كانت مقصرة في تطبيق شرع الله تعالى وتلتزم العلمانية ولكنها معذورة في تقصيرها لتأويلها ونقص تمكينها، فهي حكومة مسلمة، والقول بردتها غلو مجانب للصواب.
4- إن وجود بديل إسلامي في المناطق التي تنحسر عنها داعش قضية ضرورية لأن المناطق ستذهب من ظالم إلى ظالم فسيحل البككة أو الفصائل التي يمكن أن تكون ذراعا للغرب في المنطقة.
وعليه يمكن تصور الحالات التالية:
أولاً: أن تقاتل الفصائل داعشاً بتنسيق مع الجيش التركي وهو جائز لأنه استعانة بمسلم على مسلم والراية الظاهرة والشوكة لمن هو على الأرض أي الفصائل
ثانياً: أن تقاتل الفصائل داعشا بدون تنسيق مع الجيش التركي او التحالف بل تستغل وجود من يقاتلهم وهو ينسق مع الأتراك أو التحالف فتبدأ المعركة متزامنة معهم لتكون النكاية أكبر فهذا لا حرج فيه لأن القتال صحيح بأصله واستغلال قتال الآخرين لهم من أسباب النكاية والنجاح وثمرته عائدة للفصائل وليس للتحالف ولا يدخل في الاستعانة لا لغة ولا شرعا.
ثالثاً: ان الاستعانة بالغرب هو استعانة بكافر على مسلم باغ وهو محرم عند جمهور أهل العلم، وأجازه بعضهم للضرورة إن كان حكم المسلمين هو الظاهر، قال البهوتي الحنبلي: (وَ يُحَرَّمُ اسْتِعَانَةٌ عَلَيْهِمْ - أي أهل البغي- بِكَافِرٍ لِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ لَهُ عَلَى دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] إلَّا لِضَرُورَةٍ كَعَجْزِ أَهْلِ الْحَقِّ عَنْهُمْ وَكَفِعْلِهِمْ بِنَا إنْ لَمْ نَفْعَلْهُ بِهِمْ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ إذَا فَعَلُوهُ بِنَا لَوْ لَمْ نَفْعَلْهُ وَكَذَا الِاسْتِعَانَةُ بكافر)
وقال السرخسي الحنفي: (ولا بأس بأن يستعين أهل العدل بقوم من أهل البغي وأهل الذمة على الخوارج إذا كان حكم أهل العدل ظاهراً).
والحالة هنا أن الظهور والشوكة لمن على الأرض وليس للتحالف، وضرورة القضاء عليهم والخلاص من شرهم أوضح من أن تشرح.
وحتى على القول الآخر وهو الحرمة وعدم الجواز فالضرورات تبيح المحظورات واجتمعت هنا ضرورتان اثنتان:
الأولى هي الخلاص من حكم الغلاة المفسدين الذي دمروا الجهاد والساحة وكانوا خنجرا طاعنا للمجاهدين.
والثانية هي وجود فصيل إسلامي بديل عنهم في المنطقة حتى لا تقع بأيدي من يكون ذراعا للغرب.
وهاتان الضرورتان دونهما محظور الاستعانة بالكافر على المسلم الباغي .
والقول بردة من استعان بالغرب عليهم من باب أنه مظاهرة للكافر على المسلم هو غلو وجهل، أما الغلو فلأن أهل العلم جمهورهم على التحريم وبعضهم على الجواز عند الضرورة ولم يقل أحد بأنه مناط ردة، وأما الجهل لأنه خلط بين الاستعانة التي يكون المسلمون فيها مقاتلين أصلا لأهل البغي المسلمين وحكمهم هو الظاهر، وبين الإعانة التي يكون المسلمون فيها مناصرين ومعاونين على المسلمين فقط وليس قتالهم مقصودا والحكم الظاهر فيه لأهل الشرك.
وأما على قول من يرى ردة الدواعش إما لأنه يرى كفر الخوارج أو لما ظهر منهم من علامات تشير إلى عمالة ومظاهرة للنظام فالمسألة استعانة بكافر على مرتد والخلاف فيها على قولين مشهورين لأهل العلم ورأي المجيزين قوي وعليه الكثير من أهل العلم.
وأخيرا إن ما أفتي به هو جواز قتال الفصائل الاسلامية للدواعش في كل الصور السابقة سواء أكان بتنسيق مع التحالف أم استغلالا لمعركتهم بشرط أن تكون الشوكة على الأرض والحكم بعد أفول الدواعش للفصائل الإسلامية وتكون هي صاحبة الكلمة، والله تعالى أعلم
وسوم: العدد 668