الرسالة الثالثة
السبت 6 رمضان 1436 ه الموافق 11 يونيو 2016
*********
أقرأ في هذه الرسالة
تعالوا نصوم.. نصلي ونقوم.. والرضا جنة المحروم
الداعية الحي
حرامي الإخوان المسلمين
*********
في حب الله جل في علاه
المقامة الإلهية ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا)). إليكَ وإلا لا تشد الركائب ومِنك وإلا فالمُؤَمِّل خَائِبُ وفيك وإلا فالغرام مُضيع وَعَنكَ وإلا فَالمُحَدثُ كَاذبُ علام الغيوب، غفَّار الذنوب، ستار العيوب، كاشف الكروب، ميسر الخطوب، مقدر المكتوب، عظمت بركاته، حسنت صفاته، بهرت آياته، أعجزت بيناته، أفحمت معجزاته، جلت أسماؤه، عمت آلاؤه، امتلأت بحمده أرضه وسماؤه، كثرت نعماؤه، حسن بلاؤه.
ما أحسن قيلَه، ما أجمل تفصيلَه، ما أبهى تنزيلَه، ما أسرع تسهيلَه،
ليس إلا الخضوع له وسيلة، وليس لما يقضيه حيلة. قَدْ كُنتُ أشفِقُ من دمعيِ على بصَري فاليومَ كل عزيز بعدكمْ هانَا والله ما ذَكَرَتْ نفسي معاهدَكُم إلا رأيت دُمُوع العين هتانا يسقي ويطعم، يقضي ويحكم، ينسخ وُيبرِم، يقصم ويفصم،
يهين ويكرم، يروي وُيشبع، يصِل ويقطع، يعطي ويمنع، يخفض ويرفع،
يرى ويسمع، ينصر ويقمع، وليه مأجور، والسعي إليه مبرور، والعمل له مشكور، وحزبه منصور،
وعدوّه مدحور، وخصمه مبتور، يسحق الطّغاة، يمحق العُصاة، يدمِّر العُتاة، يمزّق من آذاه. **********
قول الشيخ الشعراوي في "الاخوان"
كنتم شجرة.. ما أروع ظلالها.. وأورع نضالهـــــــــــــا..
رضي الله عن شهيد استنبتها... وغفر الله لمن تعجل ثمرتهــــــــــــــا
*************
فيا أيها الاخ الصادق
مهمتنا الحفاظ على هذه الدعوة غضة طرية،
تحمل الخير للناس... تبني ولا تهدم.. يرميها الناس بالحجر وترميهم بالثمر... تقدم الإسلام الوسطي المعتدل...
إسلامية التوجه. سلمية الأسلوب، شمولية الأهداف،
تسعى إلي إعادة المجد والسؤدد للمسلمين في الريادة والقيادة والشهود الحضاري علي العالمين.
رائدنا قول إمامنا المؤسس:
ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف
وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع واكتشفوا الواقع في أضواء الخيال الزاهية البراقة
ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمُعلقة ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على ببعض وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد ".
*********
تعالوا نصوم.. نصلي ونقوم..
والرضا جنة المحروم
بقلم / الأستاذ عمر التلمساني
هيا إلى خلوة القرآن
ركضًا إلى ساحة الرضوان.. تبتلاً في حضرة الرحمن، تعالوا نآوي مع الصوم، إلى كهف من الطهر، ينتشر لنا ربنا فيه من رحمته ويهيئ لنا من أمرنا مرفقا.
كتب الصيام علينا في رمضان، كما كتب على الذين من قبلنا، لا لأن بالله حاجة أن نرى القوت أمامنا ونحن في حاجة إليه، فتعف إيمانًا وطاعة، ونرنو إلى الماء نطفئ به حرقة الظمأ، فلا نقربه رضًا واحتسابًا.
أيامًا معدودات في عالم الحساب، ولكن لا عداد لها في عالم الأجر والثواب نكمل عدته، ونكبر الله على ما هدانا إليه، ونسكن فيه إلى دنيا الرشاد، نسأل الله فيه.. فهو فيه أقرب من قريب، وندعو لياليه.. فهو فيها باسط الكف ومستجيب، نرقب مطلع الفجر الأبيض، شرقًا من الليل الأسود، لنمسك ما يشغل بال الناس من متع الحياة، إنها حدود الله.. لن نتعداها نزولاً عند أمر رب العالمين.
مرحبًا.. بشهر الله
في بيداء الحياة يشتد الحنين إلى المنهل العذب، والورد الصاقي النمير تهفو إليه الروح المشتاقة إلى معاودته عاما بعد عام.. على طول فترة العمر، وتشد الحياة بأوضاعها القاسية، خاصة في فترة الأزمات، تشد الناس إليها، وتحجب الرؤية الواضحة، أطباق الغبار وتراكمات الضباب، ويتلهف الساري طوال العام في دروب السنين، إلى واحة الطهر والصفاء، حيث يلقي عصا التيار عند مشارف شهر الخلوة والصوم والقرآن.
إن متطلبات ماديات الجسد في رمضان، هي نفسها في غير رمضان وغمار الخلق يفجرهم وتجبرهم في رمضان، همو همو في غير رمضان، فما بال قلب الصائم المخلص صومه من كل الشوائب والكدورات، يرف بين جنبيه فرحًا بالوقوف على باب من جعل الصوم له، وهو الذي يجزي به، ما باله يجد حاله في رمضان، غير حاله في شهور العام؟
ألأنه تخفف من الماديات.. إفطار فغداء فعشاء، وما بينها من مرفهات؟؟
لا أظن.. فمن لم يدع قول الزور، فليس بالله حاجة أن يدع طعامه وشرابه الأمر أسمى من ذلك وأعلى.
حقًا أن الصوم فريضة، والفريضة تكليف، والتكليف عبء لا يهون في الاحتمال، وحسب الصائم رسوخ قدم في دنيا التقى، أن يقاوم نفسه، إذا ما ألح عليه عامل الجوع والظمأ.. امتثالاً للأمر، وهل بعد الامتثال لأمر الله من مقام للمسلم الطاهر الأمين؟
وإذا لم يكن الصبر على مالا تألفه النفس.. فما الفرق بين الطائع والعاصي؟!
الأول وقف عند الأمر فنفذه والثاني شق عليه الأمر، فاتبع نفسه هواها، فراح مع الشاردين.
يحملني على هذا الكلام، في هذه النقطة بالذات، أن بعض الصائمين من الفضلاء، عندما يتحدث عن فضل الله عليه في الصيام، يقرر أنه لا يحس في رمضان بشيء من الجوع أو الظمأ، ولهذا فهو لا يحس من هذه الناحية بعبء الصيام، وإذا كان الحال كما يقول، فما الفرق بين رمضان وبين غيره من الشهور؟
أليس في ترك الطعام والشراب وأوقاتهما المألوفة، تغيير للوضع المألوف في حياة الإنسان مما يدرج عليه طوال العام؟
إن الصائم يجب أن يشعر أنه جائع، ولكنه لا يستجيب لنداء بطنه طاعة لله، وأن ظمئ فهو يتحمل العطش ولا يروي ظمأه.. طاعة لله، وهذا هو طعم الصيام.
فرحتان للصائم
ليس هذا فحسب، فأين نحن من قول خير من صام وصلى عليه الصلاة والسلام «للصائم فرحتان فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه» لماذا يقرر الأمين الموحى إليه من العليم الخبير، أن الصائم يفرح عند إفطاره، فمن اليقين إذن، مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نؤمن بأن لساعة الإفطار فرحة،
ولكي تكون النظرة أوفى شمولاً أقرر أن هذه الفرحة،
إما أن تكون مادية فقد أمسى في متناول الصائم شرعًا، أن يباشر مأكلاً منع منه حينًا، وشربًا حيل بينه وبينه فترة، وهذه الفرحة المادية لن تكون إلا لما أحس به الصائم من حرمان طوال النهار، ثم انتهى الحرمان بحلول ساعة الإفطار،
وإما أن تكون الفرحة روحية، ينعم فيها الصائم رضاء أن أطاع الله، لقد امتنع عن طعامه وشرابه تمسكًا بالطاعة، وبهذا يكون المقطوع به يقينًا، أن حال المسلم الصائم في رمضان، هو غير حاله بالمرة في كل شهور العام، فلينتبه الصائم ولا يهنئ نفسه بأنه لم يشعر بشيء من جوع أو عطش، وإلا فإنه خارج على مألوف البشر، من ناحية التكوين العضوي الذي يتطلب الطعام والشراب.
ولعل هذا المعنى، أو شبيهًا له، خالط بعض الصحابة عندما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل الصيام ليلاً ونهارًا أيامًا، فاستأذنوا أن يواصلوا فلم يأذن لهم، وأخبرهم أنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه، فلو أن ترك الطعام والشراب لا أثر له على الإنسان لما نهاهم صلوات الله وسلامه عليه من الوصال، فالترك عند النبي صلى الله عليه وسلم، مع عدم الأثر، هو يفيض العطاء من الله، وهو فيض لم يحظ به الصحابة، فإمامهم البديل، يأكلون ويشربون عند لحظة الإفطار.
إن المسلم الذي يصوم دون شعور بالمعركة المحتدمة بين لزوم المأكل والمشرب كضرورة من ضروريات الحياة وألا مهرب منها، وبين الصبر على هذا الاحتدام، ابتغاء مرضاة الله، يجب أن يبدل نظرته إلى الفريضة وأن يقف معها موقف المأمور من الأمر، وأن يحس بأنه ما منع إلا لما في هذا المنع من أثر، وهنا يتجلى مجال الطاعة، لمن التزمها إيمانًا واحتسابًا، وحبذا رجعت إلى الآية التي فرض بها الصيام ﴿ يأيها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾
إن كل كلمة جاءت في كتاب الله، جاءت لحكمة معينة، لم تأت اعتباطًا ولا استرسالاً في حديث، فلماذا يقول الله تبارك وتعالى في هذه الآية ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ هل جاءت تاريخًا؟ أو أخبارًا بحدث؟
أنا لا أظن والذي ارتاح إليه، واسأل الله ألا يكون قد أسأت الفهم، أن هذا التكليف لم يكن خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فقط ولكن حمله قبلهم قوم آخرون وفي هذا تسرية عن المسلمين والتسرية لا تكون إلا عما يشق حمله أو دفعه، هذه واحدة،
والأخرى، ذكر الله سبحانه أن الصيام أيامًا معدودات وليس أسابيع معدودات ولا أشهر معدودات، وفي تقليل الزمن عند الامتحان، ما يعين على الاختبار، وأنه لن تطول أيامه.
الصوم جلاء لصدأ النفوس
والصوم فوق هذا كله، هو الجلاء الكامل لصدأ النفوس، كي تهيأ للمثول في حضرة الديان ظهرًا ظاهرًا مظهرًا وظهورًا.
أن الله اصطفى الإنسان من بين سائر المخلوقات ليكون موضع التكليف، فأنت خليفة الله في أرضه ليأهلك بهذه الخلافة إلى توريثك جنة الخلد، ويسابق علمه جل شأنه، بما جلبت عليه النفس البشرية من الضعف والرغبة في العاجل، ولو كان دون الأجل بمراحل أراد أن يمر به في مرحلة اختبار، يبدو فيه الحال سافرًا.. أيشكر ويصبر؟ أم يجزع ويتغير؟ ثم ماذا بعد هذا؟
ترى أي شعور عامر بالإسعاد.. ذلك الذي يسري بصدر الصائم، وهو يبدأ يقظته محسًا بأنه مطيع لصاحب الفضل عليه، قريب منه، حبيب لديه مرضي عنه، مهيأ للخير في دنياه، موصول المثوبة الضخمة الواسعة في أخراه؟
أي إحساس يجده الصائم، في جنبات قلبه، وقد ارتفع على المادة في كل أوصافها وآثارها، وسما إلى سماء الملائكة المقربين.. إفطاره دعاء، غذاؤه تسبيح، وعشاؤه قيام وترتيل، أين هو من الخلق في المستوى الإنساني، إذا صام كما يجب أن يصوم المسلم.. سمح إذا أخذ، جواد إذا أعطى، حليم إذا غضب، بصير إذا استشير، ذكور إذا نسى، وديع إذا تعامل، طيب الأثر إذا خالط الناس وصبر على أذاهم، جلد إذا حمل الأمانة، وفي إذا عاهد، أمين إذا استودع، مخلص إذا عمل، دءوب في أداء الواجب، طلق المحيا بسام الثنايا، لا تنعقد جبهته، ولا تتجهم طلعته، يظنه الرائي للحيوية التي يمتاز بها، وكأنه من غير الصائمين، فهو النقي الخفي ما بحاله من إعلان.
أجمل ما في الصيام
هذا هو أجمل ما في الصيام.. النزول عند الأمر، ولو شق احتماله، وهل يكون الأجر إلى على قدر المشقة؟ وهل الذي يطوي الأرض سيرًا إلى حبيبه ومبتغاه، على الصخر فوق الشوك وطول السرى، كمن يسير إليه على الممهد من الطرقات، بالميسر من الوسائل؟ شتان.. نفس جامحة، تتصارع فيها الشهوات، وأهواء جارفة تنجذب إلى كل شهي، ووسوسة خفية من النزوات، تتصارع كلها مع إرادة صلبة كالطود، ونفس صامدة كالصرح العتيد، تندحر كل الهجمات على مشارفها، وتندحر عنها فاشلة متهاوية،
إن أمام الصائم صدق موعود الله.. إن صبر على الجوع هنا، فهناك فاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون.
إذا صمد للظمأ هنا، فهناك ولدان مخلدون، يطوفون بأكواب وأباريق وكأس من معين، ولا نفاذ لخيرات الله، وكيف ينفد عطاء من بيده خزائن السموات والأرض، وأكثر وأكثر وأكثر، أين الصائم من أواني الفضة والأكواب القوارير، وكئوس مزاجها من زنجبيل تعب من عيون السلسبيل؟
بشراك أيها الصائم، المخلص صدق لربه.. بشراك.. سعيك مرضي عنه ووجهك ناضر بديع، في العلا المخضل من الجنان، حيث لا لغو ولا تأثيم، ولكن سلام ونعيم.. في العيون الجاريات في الأكواب الموضوعات.. على النمارق المصفوفات، والزرابي المبثوثات.. حيث لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
أخي الصائم.. انتبه.. واحذر، أنت مطالب بالطاعة فيما يشق عليك، وإلا فما السر وما الحكمة؟ ولماذا فرض الصيام؟ إذا استوى حلالك.. صائمًا أو غير صائم.
عش في الفريضة بكل أعبائها.. بكل أسرارها.. بكل حكمتها بكل مقوماتها، ولا يخدعنك الشيطان أنك لا تشعر مع الصيام بجهد، وأن ليس للصوم عندك من أثر، ولا أدائك إياه مشقة.
اللهم إنك تعلم.. إنا لك لصائمون لا نشعر بالخوف إلا منك، ولا بالذل إلا لك، ولا بالفقر إلا إليك، فاجعل خوفنا منك، أمنا لنا من كل من عداك، واجعل ذلنا لك، ذروة العز لنا في هذا الوجود واجعل حاجتنا إليك، هي الزاد الوافر والغنى الكامل، عن كل ما سواك، وأصلح يومنا وأنر ليلنا، وتقبل قيامنا واحفظ صيامنا ﴿﴿ يأيها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾.
من كتابات الأستاذ عمر التلمساني –
المرشد الثالث للإخوان المسلمين عن رمضان
هل حقًّا صمنا..؟!
مرحبًا.. بشهر الهدي والبينات
تعالوا نؤمن ساعة
عيد الفطر... بسمة رضا في وجه الزمان
***************
الداعية الحي
إنه الداعية المتحرك في كل صوب، المتقن لدعوته في كل ثوب .... إن كان في بيته فنعم العائل والمربي
فإن نزل الشارع وخالط الناس. وسعهم بدعوته. فإن ركب وسيلة مواصلات تناثرت بركات دعوته على من حوله من الركب.
إذا دخل مصلحة لم يخرج منها إلا بغنيمة دعوية، نصيحة يسار بها موظفاً، أو موعظة يسمعها لسافرة، أو كلمة معروف يذكر بها من يقف معه في الطابو. إنه المبارك في حله وترحاله. كالغيث أينما وقع نفع :
قلب عامر وعقل يثابر. تقي حفي. نقي أبي. نفعه متعد. وخيره عام. يتجذر هداه في كل أرض أقام فيها.
إذا قال أسمع. وإذا وعظ أخضع. دؤوب الخطو. بدهي التصرف
محمدي الخلق، صِدّيقيّ الإيمان، عُمَريّ الشكيمة، عثمانيّ الحياء، علويّ الصلابة، فَضليي العبرة، حنبلي الإمامة، تيموي الثبات.
مظهره متناسق مع وظيفته السرمدية، هندام نظيف ومتواضع، وهيئة تقية، وإخبات غير متكلف. إذا رآه الخلق ذكروا الله تعالى.
نه لا يساوم الباعة ويلح في خفض الأسعار.
ولا يأنف من إماطة الأذى عن الطريق. يبتسم في وجوه الناس أجمعين. ويحفظ حشمته من نزق الطائشين.
مستعد للدعوة في كل ميدان. إذا فتشت حقيبته وجدتها مليئة بالحلوى والكتيبات والهدايا الصغيرة غير المكلفة. يصطحب معه في سيره أشرطة الدعاة والخطباء والوعاظ. بل وأشرطة القرآن الكريم لمشاهير القراء. يحمل معه العطر والطيب دوماً..
يستخدم الحلوى في التعارف. والكتيبات في التأليف والوعظ والإرشاد. والهدايا مع دعوة لحضور محاضرة أو خطبة.. والطيب لإزالة حزازات النفوس. وتوجس الخائفين من مظهر الدعاة.
فإذا ما رأيته أقبل بوجهه الضحوك. وسلامه الرونق ( ألفيت كل تميمة لا تنفع )
يعتمد الداعية الحيّ على كل الإمكانات المتاحة، ويستغل الظروف لصالحه.
لا يلعن الظلام، ولكنه يشارك في إيقاد شمعة، إذا قصرت به وسيلة نزل إلى التي دونها ، حتى لو لم يجد إلا لسانه أو الإشارة باليدين لا ستعملهما متوكلاً على الله الهادي إلى صراطٍ مستقيم.
إن الداعية الحي يترقب الفرص، ويسعى إليها ولا ينتظر مجيئها إليه، يباغت المواقف، ولا يكون هو رد فعل لها، لا يترك فرصة لما يسميه الناس الصدف أو الفجأة، بل تراه بدهياً مستعداً لكل موقف بما يناسبه.
من سمات الداعية الحي: أنه يعمل في صمت، ويؤثر العمل الدؤوب على الثرثرة والتفيهق، ليس بالمنان ولا بالمعجب،
شعاره بعد سماع الأمر من القادة: علم وسينفذ إن شاء الله ، وإذا سئل عن تكليف أنيط به، قا : التنفيذ جارٍ بعون الله ، فإذا أتم مهامه. أبلغ المسؤول في صمت: تم التنفيذ والحمد لله.. إنها الجندية في أرقى صورها.
إن الداعية الحي متحرك لدينه، سواء كان مدرساً أو طالباً، مهندساً أو طبيباً، عالماً أو متعلماً، سائقاً أو راكباً، حالاً أو مرتحلاً، أميراً أو مأموراً ، رئيساً أو مرؤوساً، فقيراً كان أو غنياً ... في الشارع أو في البيت أو في الجامعة أو في المدرسة أو في الدكان أو في الحافلة أو في الشارع أو في أي مصلحة حكومية ، بلسانه ويده، بنفسه وماله بكله يتحرك للدين وينافح عنه ، لسان حاله : { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:162، 163) وشعاره {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف:108)
اللهم اجعلنا من السائرين على درب الداعية الحي ولا تكلنا إلى انفسنا طرفة عين ولا اقل من ذلك ولا أكبر
********
المراقبة .... 3
ثم ينتقل العبد إلى المجاهدة وهو انه إذا حاسب نفسه فرآها قد قارفت معصية فينبغى ان يعاقبها بالعقوبات التي مضت وان رآها تتوانى بحكم الكسل في شىء من الفضائل أو ورد من الأوراد فينبغى أن يؤدبها بتثقيل الأوراد عليها ويلزمها فنونا من الوظائف جبرا لما فات منه وتداركا لما فرط
فهكذا كان يعمل عمال الله تعالى فقد عاقب عمر بن الخطاب نفسه حين فاتته صلاة العصر في جماعة بأن تصدق بأرض كانت له قيمتها مائتا ألف درهم
وكان ابن عمر اذا فاتته صلاة في جماعة أحيا تلك الليلة وأخر ليلة صلاة المغرب حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين
وفات ابن أبى ربيعة ركعتا الفجر فاعتق رقبة
وكان بعضهم يجعل على نفسه صوم سنة أو الحج ما شيا أو التصدق بجميع ماله كل ذلك مرابطه للنفس ومؤاخذة لها بما فيه نجاتها
فإن قلت إن كانت نفسى لا تطاوعنى على المجاهدة والمواظبة على الأوراد فما سبيل معالجتها
فأقول سبيلك في ذلك ان تسمعها ما ورد في الأخبار من فضل المجتهدين الأخبار الواردة في حق المجتهدين أخرجها أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين وغيرها من الأحاديث والأخبار
ومن أنفع أسباب العلاج أن تطلب صحبة عبد من عباد الله مجتهد في العبادة فتلاحظ أقواله وتقتدى به
وكان بعضهم يقول كنت إذا اعترتنى فترة في العبادة نظرت إلى أحوال محمد بن واسع والى اجتهاده فعملت على ذلك أسبوعا
إلا أن هذا العلاج قد تعذر، إذ قد فقد في هذا الزمان من يجتهد في العبادة اجتهاد الاولين فينبغى ان يعدل من المشاهدة الى السماع فلا شىء انفع من سماع أحوالهم ومطالعة اخبارهم وما كانوا فيه من الجهد الجهيد، وقد انقضى تعبهم وبقى ثوابهم ونعيمهم أبد الآباد لا ينقطع فما اعظم ملكهم وما أشد حسرة من لا يقتدى بهم، فيمتع نفسه أياما قلائل بشهوات مكدرة ثم يأتيه الموت ويحال بينه وبين كل ما يشتهيه أبد الآباد نعوذ بالله تعالى من ذلك
فإن حدثتك نفسك بالنظر إلى أهل زمانك وقالت إنما تيسر الخير في ذلك الزمان لكثرة الأعوان، والآن فإن خالفت أهل زمانك رأوك مجنونا وسخروا بك فوافقهم فيما هم فيه، وعليه فلا يجرى عليك إلا ما يجرى عليهم، والمصيبة إذا عمت طابت فإياك أن تتدلى بحبل غرورها وتنخدع بتزويرها وقل لها أرأيت لو هجم سيل جارف يغرق أهل البلد وثبتوا على مواضعهم ولم يأخذوا حذرهم لجهلهم بحقيقة الحال وقدرت أنت على أن تفارقيهم وتركبى في سفينة تتخلصين بها من الغرق، فهل يختلج في نفسك أن المصيبة إذا عمت طابت أم تتركين موافقتهم وتستجهلينهم في صنيعهم وتأخذين حذرك مما دهاك فإذا كنت تتركين موافقتهم خوفا من الغرق وعذاب الغرق لا يتمادى إلا ساعة فكيف لا تهربين من عذاب الأبد وأنت متعرضة له في كل حال، ومن أين تطيب المصيبة إذا عمت ولأهل النار شغل شاغل عن الالتفات إلى العموم والخصوص ولم يهلك الكفار إلا بموافقة أهل زمانهم حيث قالو إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون
فعليك إذا اشتغلت بمعاتبة نفسك وحملها على الاجتهاد فاستعصت أن لا تترك معاتبتها وتوبيخها وتعريفها سوء نظرها لنفسها فعساها تنزجر عن طغيانها
ثم ينتقل إلى توبيخ النفس ومعاتبتها وهنا كلام بديع نفيس للغزالى فى كيفية توبيخ النفس ومعاتبتها يقول مخاطبا النفس :
أعلم أن أعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك، وقد خلقت أمارة بالسوء ميالة إلى الشر فرارة من الخير، وأمرت بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها وخالقها ومنعها عن شهواتها وفطامها عن لذاتها، فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك وإن لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة والعذل والملامة كانت نفسك هى النفس اللوامة التى أقسم الله بها ورجوت أن تصير النفس المطمئنة المدعوة إلى أن تدخل فى زمرة عباد الله راضية مرضية .
أما تعرفين ما بين يديك من الجنة والنار وأنك صائرة إلى إحداهما على القرب فما لك تفرحين وتضحكين وتشتغلين باللهو وأنت مطلوبة لهذا الخطب الجسيم وعساك اليوم تختطفين أو غدا، فأراك ترين الموت بعيدا ويراه الله قريبا
أما تعلمين أن كل ما هو آت قريب وأن البعيد ما ليس بآت، أما تعلمين أن الموت يأتى بغتة من غير تقديم رسول ومن غير مواعدة ومواطأة، وأنه لا يأتى في شىء دون شىء ولا في شتاء دون صيف ولا في صيف دون شتاء ولا في نهار دون ليل ولا في ليل دون نهار ولا يأتى في الصبا دون الشباب ولا في الشباب دون الصبا بل كل نفس من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة، فإن لم يكن الموت فجأة فيكون المرض فجأة ثم يفضى إلى الموت فما لك لا تستعدين للموت وهو أقرب إليك من كل قريب
أما تتدبرين قوله تعالى اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم ويحك يا نفس إن كانت جراءتك على معصية الله لاعتقادك أن الله لا يراك، فما أعظم كفرك، وإن كان مع علمك باطلاعه عليك فما أشد وقاحتك وأقل حياءك
ويحك يا نفس ما أعجب نفاقك ودواعيك الباطلة فإنك تدعين الإيمان بلسانك وأثر النفاق ظاهر عليك ألم يقل لك سيدك ومولاك وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، وقال في أمر الآخرة وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، فقد تكفل لك بأمر الدنيا خاصة وصرفك عن السعى فيها فكذبته بأفعالك وأصبحت تتكالبين على طلبها تكالب المدهوش المستهتر ووكل أمر الآخرة إلى سعيك فأعرضت عنها إعراض المغرور المستحقر، ما هذا من علامات الإيمان لو كان الإيمان باللسان فلم كان المنافقون في الدرك الأسفل من النار
ويحك يا نفس كأنك لا تؤمنين بيوم الحساب وتظنين أنك إذا مت انفلت وتخلصت، وهيهات أتحسبين أنك تتركين سدى ألم تكونى نطفة من منى يمنى ثم كنت علقة فخلق فسوى أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى
فإن كان هذا من إضمارك فما أكفرك وأجهلك أما تتفكرين أنه مماذا خلقك من نطفة خلقك فقدرك ثم السبيل يسرك ثم أماتك فأقبرك أفتكذبينه في قوله ثم إذا شاء أنشرك فإن لم تكونى مكذبة فما لك لا تأخذين حذرك
فإن كنت يا نفس قد عرفت جميع ذلك وآمنت به فما لك تسوفين العمل والموت لك بالمرصاد ولعله يختطفك من غير مهلة
فبماذا أمنت استعجال الأجل،
أرأيت لو سافر رجل ليتفقه في الغربة فأقام فيها سنين متعطلا بطالا يعد نفسه بالتفقه فى السنة الأخيرة عند رجوعه إلى وطنه هل كنت تضحكين من عقله وظنه أن تفقيه النفس مما يطمع فيه بمدة قريبة أو حسبانه أن مناصب الفقهاء تنال من غير تفقه اعتمادا على كرم الله سبحانه وتعالى
ثم هبى أن الجهد في آخر العمر نافع وأنه موصل إلى الدرجات العلا فلعل اليوم آخر عمرك فلم تشتغلين فيه بذلك فإن أوحى إليك بالإمهال فما المانع من المبادرة وما الباعث لك على التسويف
هل له سبب إلا عجزك عن مخالفة شهواتك لما فيها من التعب والمشقة
أفتنتظرين يوما يأتيك لا تعسر فيه مخالفة الشهوات هذا يوم لم يخلقه الله قط ولا يخلقه فلا تكون الجنة قط إلا محفوفة بالمكاره ولا تكون المكاره قط خفيفة على النفوس وهذا محال وجوده
*********
حرامي الإخوان المسلمين
د. علاء الدين عباس
تتميز جماعة الإخوان المسلمين بتنوع التخصصات وجمعها لشتي الوظائف والمؤهلات بين أفرادها .. لدرجة لفتت نظر مدير السجن الحربي وكان يناقش الدكتور أحمد الملط ويستفسر منه عن العلاقة التي تجمع بينه وبين الأخ عبد العزيز زعير ذلك البقال المتواضع في حي السيدة زينب والذي يصاحب الدكتور الملط الحاصل علي زمالة الجراحة من كلية الأطباء الملكية بانجلترا .. وكيف أنهما يذهبا سويا ويعودا وكأنهما تؤام روح أو الرجل وظله .. فكان الدكتور الملط يؤكد انها رابطة الأخوة وعاطفة الدعوة وتآليف الله للقلوب .. ومثل ذلك كانت علاقة سيد قطب بيوسف هواش والتلمساني بابراهيم شرف وحسن جودة موجه الرياضيات بمحمود الأسيوطي الفران .. تجد علاقة تفاهم وتقارب وتآخي مع أن البون كان شاسعا بين ثقافة وتعليم ونشأة كلا منهما ..
وحاول مدير السجن ممازحة الدكتور الملط فقال له .. دعنا نفكر في وظيفة غريبة وشاذة ونري هل من الإخوان من يمتهنها أم لا .. وبعد تفكير قال مدير السجن ما رأيك في وظيفة حلاق الحمير ..؟
ثم ذهب المدير لفناء السجن حيث نادي في الميكرفون من يعمل حلاق حمير يحضر لفناء السجن، ففوجيء المدير باثنين من الإخوان يخرجان من الزنازين وكلاهما كان يمتهن هذه المهنة النادرة ..
وأذكر وأنا صغير أننا كنا نلعب أمام فيلا سيد قطب بجوار منزل والدي في شارع حيدر باشا بحلوان لعبة (تريك تراك) وهي عبارة عن قطعة خشب نضرب بها قطعة أخري مسنونة الطرفين فتطير مسافة والفائز من يطيرها مسافة أبعد .. وكان الجيران يضيقون بنا ذرعا خاصة عندما نحتد وترتفع أصواتنا وقت الظهيرة
وحي حلوان في تلك الأيام كان هادئا وقت القيلولة ساكنا .. ولكن كان هناك نجار طيب له محل متواضع اسمه عم علي حمدي كان يبسم في وجوهنا ويتحمل شجارنا وعبثنا لدرجة أننا كنا كثيرا ما نعطيه العصفور( قطعة الخشب مسنونة الطرفين) ليقوم بنحت أطرافه كما تبري القلم الرصاص لنتمكن من طرقه بالخشبة وتكملة اللعب .. وكان الرجل الطيب يقوم بالمهمة عن طيب خاطر وبإتقان ملحوظ .. وعندما شببت عن الطوق وتقدم بي العمر عرفت أن عم علي حمدي هذا كان من الرعيل الأول للإخوان المسلمين وبدأنا في تكريم الرجل وإعزازه وحاولنا رد اعتباره بعد أن وهن عظمه واشتعل رأسه شيبا
وفي أخريات أيامه كان مقيما في حجرة بمستشفي الجمعية الطبية الإسلامية بحلوان التابعة للإخوان المسلمين وكنت مديرها الطبي، وكثيرا ما ذهبت لمجالسته لأسمع منه حديث الذكريات..
فروي لي أول لقاء له مع الإمام الشهيد حسن البنا فبعد أن عرفه باسمه قال الإمام والأخ علي ماذا يعمل ..؟
فسكت عم علي قليلا وكان متحرجا فلما ألح عليه الإمام حسن البنا قال عم علي والله يا مولانا أنا بشتغل حرامي ..
فتهلل وجه الإمام العبقري حسن البنا وقال مستبشرا الحمد لله .. الدعوة كانت ينقصها واحد حرامي .. إن شاء الله نستفيد بموهبتك هذه في خدمة الدعوة ..
ولم يكن عم علي لصا عاديا بل كان موهوبا وهجاما من الدرجة الأولي وعلي درجة كبيرة من الرشاقة في التسلق والحذر في التلصص وخفة اليد في آن واحد
وبدأت الدعوة تستفيد من مواهب عم علي الآثمة وتوظفها في أعمال مجيدة تصل لدرجة البطولة فقد استعان به النظام الخاص وهو التنظيم السري الذي أنشء لضرب مصالح المستعمر البريطاني بمصر ومكائد المنظمات اليهودية المشبوهة ..
وأستطاع عم علي السطو علي معسكرات الإنجليز بالعباسية والاستيلاء علي كم كبير من الأسلحة والذخائر والتي كان يمد بها المجاهدين من الإخوان المسلمين والتي كانت عونا لهم في حروب فلسطين والقناة فيما بعد .. بل وصل به الأمر أنه تمكن من سرقة دبابة والخروج بها من المعسكر وأحتار الإخوان في التصرف فيها فتم تفكيكها والتخلص منها ..
إن عبقرية الإمام الشهيد حسن البنا كانت تكمن في تلك الموهبة الفذة في توظيف إمكانات وقدرات أفراد جماعته وتكمن أيضا في البحث عن مواطن القوة والمنفعة في كل صفة أو خلق جبلي في أعضائها بل وتحويل الصفات السلبية أو الخلق الرزيل إلي صفات حميدة وخلق نافع قويم .. رحم الله الإمام البنا صانع الرجال ومربي الدعاة وغفر الله للص الإخوان الشريف عم علي حمدي وأسكنه فسيح جناته.
**********
صوما مقبولا وإفطارا شهيا وقياما خالصا
ولا تنسونا من كريم دعائكم
مع تحيات أسرة " رسالة الإخوان "
وسوم: العدد 672