كيف حج النبي عليه الصلاة والسلام ؟
عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج ، وأعلم الناس أنه حاج فتجهزوا للخروج معه عليه السلام .
وسمع بذلك من حول المدينة فقدموا يريدون الحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون ، فكانوا بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله مد البصر .
خرج المصطفى عليه الصلاة والسلام من المدينة نهارا بعد الظهر لخمس بقين من ذي القعدة يوم السبت ، بعد أن صلى الظهر فيها أربعا ، وخطب في الناس خطبة علمهم فيها الإحرام وواجباته وسننه ، والاحرام هو الإحلال بالحج أو العمرة ومباشرة آسبابه من خلع الملابس المخيطة ، واجتناب الأشياء التي منعها الشرع كالطيب والنكاح والصيد .
ثم سار المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يلبي لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ودخل مكة في رابع ذي الحجة ، ودخل المسجد الحرام ، طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، وأقام بمكة أربعة أيام ، ثم توجه صلى الله عليه وسلم في اليوم الثامن من ذي الحجة إلى منى ، ونزل بها ، وصلى بها الظهر والعصر ، وبات بها ، فلما طلعت شمس اليوم التاسع من ذي الحجة سار عليه السلام من منى إلى عرفة ، وكان يوم جمعة فنزل بها
وخطب الناس يوم عرفة وهو على راحلته صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة ، قرر فيها قواعد الإسلام ، وهدم فيها قواعد الشرك والجاهلية ، قرر فيها تحريم المحرمات في الدماء والأموال والأعراض ، ووضع فيها ربا الجاهلية كله ، وأوصاهم بالنساء خيرا ، وأوصى الأمة بالإعتصام بكتاب الله ، وأخبر عليه السلام أمته أنهم لن يضلوا ماداموا معتصمين به ،
ثم أخبرهم أنهم مسؤولون عنه عليه السلام ، واستنطقهم بماذا يقولون ؟ وبماذا يشهدون ؟
قالوا رضوان الله عليهم نشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت ، فرفع عليه السلام أصبعه الشريفة إلى السماء واستشهد الله عليهم ثلاث مرات ، وأمرهم عليه السلام أن يبلغ شاهدهم غائبهم
ولما أتم الخطبة صلى الله عليه وسلم أمر بلالا فأذن ، ثم أقام الصلاة ، فصلى الظهر ركعتين ، ثم أقام فصلى العصر ركعتين أيضا ، فلما فرغ من صلاته ركب حتى أتى الموقف ، وهو عند الصخرات الكبار وقف وكان على ناقته العضباء عليه السلام فأخذ في الدعاء والمناجاة والابتهال إلى غروب الشمس
كان صلوات ربنا وسلامه عليه رافعا يديه إلى صدره في الدعاء قائلا :
اللهم ، إنك تسمع كلامي ، وترى مكاني ، وتعلم سري وعلانيتي ، لا يخفى عليك شيء من أمري ، أنا البائس الفقير ، المستغيث المستجير ، الوجل المشفق ، المقر المعترف بذنبه ، أسألك مسألة المسكين ، أبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف المضطر ، من خضعت لك رقبته ، وفاضت لك عبرته ، وذل لك جسمه، ورغم لك أنفه ، اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا ، وكن بي رؤوفا رحيما ، ياخير المسؤولين ، وياخير المعطين
وهنا نزل قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ٣ المائدة
فلما غربت الشمس أفاض عليه السلام من عرفة حتى أتى المزدلفة ، وصلى هناك المغرب والعشاء ، ثم نام حتى أصبح ، فلما طلع الفجر صلاها ، ثم ركب عليه السلام حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة وأخذ في الدعاء والتضرع والتكبير والتهليل
ثم سار من المزدلفة قبيل طلوع الشمس ، وأسرع في السير في وادي محسر لأنه هنا نزل العذاب على أبرهة وجيشه ، حتى أتى منى ، فأتى جمرة العقبة فرماها ، ثم رجع إلى منى فخطب الناس خطبة بليغة ، علمهم فيها بحرمة يوم النحر وحرمة مكة ، وأمر عليه السلام بأخذ مناسكهم عنه ، وأمر الناس أن لا يرجعوا بعده كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض ، وقال : أعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم ، وأطيعوا ذا أمركم ( إذا قام بكتاب الله ) تدخلوا جنة ربكم ، و ودع عليه السلام الناس ، فسميت حجته صلى الله عليه وسلم ( حجة الوداع )
ثم انصرف إلى المنحر ، وهو الآن في المعيصم ، نحر ثلاثا وستين بدنة عدد سني عمره المبارك ، ثم أمر عليا رضي الله عنه أن ينحر مابقي من المئة ، ثم استدعى الحلاق فحلق رأسه ووزع الشعر على من حوله ، ثم أفاض إلى مكة راكبا وطاف الإفاضة ، ثم أتى زمزم فشرب منها وهو قائم ، ثم رجع إلى منى من يومه ، فبات بها ، فلما أصبح انتظر زوال الشمس ، فلما زالت رجع إلى الجمار الثلاثة الأولى والوسطى والعقبة
وتأخر حتى أكمل رمي أيام التشريق ١١- ١٢- ١٣ من ذي الحجة ، ثم نهض إلى مكة فطاف طواف الوداع ، وأمر الناس بالرحيل
وتوجه عليه السلام إلى المدينة فلما وصل ذا الحليفة ( مكان الميقات الآن لأهل المدينة ) كبر ثلاثا وقال :
لا اله الا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، آيبون ، تائبون ، عابدون ، ساجدون ، لربنا منقلبون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده
ثم دخل المدينة نهارا عليه الصلاة والسلام
الاخوة الحجاج الكرام :
إن الله سبحانه وتعالى يقول ( فبهداهم اقتده ) ٩٠ الأنعام
ومما بشر به عليه السلام امرأة اعتذرت إليه عن الحج معه صلى الله عليه وسلم طيب خاطرها فقال : إن عمرة في رمضان تعدل حجة معي
صلى الله عليك ياعلم الهدى .
تقبل مولانا منكم ، ومن كل من حج واعتمر
لبيك اللهم لبيك ، لبيك لاشريك لك لبيك ، إن الحمد ، والنعمة ، لك والملك ، لا شريك لك
والله أكبر والعاقبة للمتقين
وفرجك ياقدير