عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الحنة ( حديث الجمعة)
مما تعبد به الله عز وجل عباده المؤمنين الصدق في الأحوال والأقوال والأفعال ،فهو القائل سبحانه وتعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين))، فمن خلال هذا النص القرآني نجد الصدق مؤشرا على تقوى الله عز وجل لأنه سبحانه وتعالى عطف أمره بالتقوى ، وهي الطاعة الكاملة على أمره بالصدق الذي هو من الطاعة ، وقد جاء هذا الأمر بصيغة ( كونوا مع الصادقين) ،وهي صيغة تفيد المداومة على الصدق في كل الأحوال، ذلك أن المعية مع الصادقين تكسب من يعاشرهم التطبع على صفة الصدق . والصدق ما وافق الحقيقة والحق ، وهو نقيض الكذب أو الباطل . وصدق الوعد إنفاذه ، وصدق المودة والنصيحة إخلاصهما ، وصدق الحديث إنباء بالحقيقة . وسمي الصديق صديقا لأنه صادق المودة والنصيحة ، والعرب تقول في أمثالها : " صديقك من صدقك لا من صدّقك "والصدوق من الرجال من كان دائم الصدق ، والصدّيق من كان كثير الصدق .
ولقد وصف الله عز وجل كلامه بالصدق فقال جل وعلا : (( ومن أصدق من الله حديثا )) ووصف رسله وأنبياءه الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين بالصدق فقال : (( واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صدّيقا نبيئا)) كما قال : (( واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صدّيقا نبيئا )). وجعل الله للصدّيقين مرتبة متميزة بين أصفيائه فقال : (( ومن يطع الله ورسوله فأولئك من الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا )) لهذا رغب عباده المؤمنين في صفة الصدق . والصدق سجية تتوج جميع السجايا فلا تخلو واحدة منها من سجية الصدق التي هي بمنزلة الملح من الطعام، ذلك أن من اتصف بصفة محمودة ولم يكن صادقا فيها انتفت عنه . والصدق صفة ملازمة للإيمان، ذلك أن المؤمن قد يرتكب بعض المعاصي كالزنا والسرقة، وقد يتصف بصفات ذميمة كالجبن والبخل كما ورد في حديث نبوي حين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيزني المؤمن ؟ أيسرق المؤمن ؟ وفي صيغة أخرى أيجبن المؤمن ؟ أيبخل المؤمن ؟ فأجاب بنعم ، فلما سئل أيكذب المؤمن ؟ قال : لا، لأنه إن كذب في إيمانه انتفى عنه الإيمان . والصدق لا يقتصر على صدق الأقوال بل لا بد من صدق الأحوال والأفعال ، لأن بعضها يشهد على بعض، ويصدقه ،ويكمله. فمن ادعى بالقول صفة أو سجية أو محمدة يجب أن تؤكد أحواله وأفعاله ادعاءه، ولا يوجد فيها ما يقدح في صدقه . وخلق الصدق قابل للقياس حيث يقاس صدق الأقوال بالأحوال والأفعال . وعلى غرار أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بالتزام الصدق وملازمة أهله، جاء أمر رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال : " عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر ، والبر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عن الله صديقا ، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا "، فقوله صلى الله عليه وسلم في الأمر " عليكم بالصدق " وفي النهي " إياكم والكذب" يدل على قوة الأمر والنهي بهاتين الصيغتين ،وذلك لأهمية الصدق وخطورة الكذب . والمجتمعات التي يسود فيها الصدق تنعم بالاستقرار، والأمن ،والأمان ،والسلام ، خلاف المجتمعات التي يسود فيها الكذب والتي تعاني من الفتن ،وعدم الاستقرار، وفقدان الثقة بين الحكام والمحكومين وبين الجميع بسبب آفة الكذب المتفشية في كل الآفاق حيث لا يقتصر على كذب الأقوال بل يشمل كذب الأفعال والأحوال من غش، وتدليس، وتزوير، وتحايل، وخيانة ، وغدر .... وكل فعل يلابسه الكذب . وكما يتطبع الصادق على الصدق بممارسته له في كل أقواله، وأحواله، وأفعاله ، فكذلك الكاذب يتطبع على الكذب أقوالا، وأفعالا، وأحوالا. ولقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي على الناس زمان ينتفي فيهم الصدق مقالا، وحالا ،وفعالا، فقال عليه الصلاة والسلام في غياب الصدق في بعض الأمور : " حتى يقال إن في بني فلان رجل أمين ، وحتى يقال للرجل ما أجلده ، وما أظرفه ، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان" وهذا الحديث يدل على أن الصدق علامة الإيمان. ومما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله أيضا : " سيأتي على الناس سنوات خدّاعات يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخوّن فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ، قيل : وما الرويبضة يا رسول الله ، قال: الرجل التافه ينطق في أمر العامة " نسأل الله عز وجل العافية من هذه الحال.
وسوم: العدد 687