سلسلة الثقافة الإسلامية (1)
زوارنا الكرام بمناسبة شهر رمضان الكريم الذي نسأل المولى عز وجل أن يحعله شهر خير وبركة وفرج على العالمين ، يسرني أن أطرح هذه السلسلة اليومية التي أرجو أن تجدوا فيها الفائدة ، راجيا سماع ملاحظاتكم . وكل عام وأنتم بخير
الصحوة الإسلامية
الصحوة الإسلامية مصطلح يشير إلى الصحوة المعاصرة التي حاول المسلمون بها مواجهة التحديات العظيمة التي بدأت تواجههم منذ أواخر القرن التاسع عشر، مرورا بالقرن العشرين، وصولا إلى اليوم !
وقد تمثلت هذه التحديات ابتداء في استعمار معظم الدول العربية والكثير من البلدان الإسلامية، ومحاولات الاستعمار إحلال ثقافته محل الثقافة الإسلامية، وجعل المسلمين تبع له بلا حول ولا قوة
وقد بدأت هذه الصحوة الإسلامية في أعقاب إلغاء الخلافة الإسلامية على يدي "مصطفى كمال أتاتورك" في عام 1924 وقد نشطت هذه الصحوة مع إقامة دولة الصهاينة (إسرائيل) في قلب الوطن العربي في فلسطين عام 1948 ، فقد كان لهذين الحدثين أثر بالغ في يقظة الأمة، وصحوتها؛ وتعاظمت الصحوة في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين – تحت بطش الأنظمة الدكتاتورية في البلدان العربية والإسلامية - حتى أصبحت من أبرز مظاهر القرن !
وقد تجلت هذه الصحوة بظهور "حركات إسلامية" عديدة في مختلف البلدان العربية والإسلامية، وهي حركات منظمة، سريعا ما استقطبت أعدادا كبيرة من الأجيال الشابة المسلمة التي راحت تدعو للالتزام بالقيم والأخلاق الإسلامية وتطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وتنادي بإسقاط الأنظمة العلمانية الاستبدادية التي تسلطت على البلدان العربية والإسلامية، وراحت تنشر الثقافات المستوردة المحاربة لدين الله!
وقد كان من مظاهر الصحوة إقبال الأجيال الجديدة من المسلمين على الصلاة وحضور الدروس الدينية في المساجد، وإقبالهم على الثقافة الإسلامية باقتناء الكتب الإسلامية، والالتزام بالهيئة الإسلامية، مثل إطلاق اللحى من قبل الرجال والتزام المسلمات بالحجاب، والدعوة إلى الفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات، والدعوة إلى الرقابة على وسائل الإعلام والأفلام والمسرحيات الهابطة التي تدعو إلى الخروج عن تعاليم الإسلام !
وأكثر ما ترتبط هذه الصحوة بدعوة الحركات الإسلامية إلى الإصلاح السياسي تأسيا بسياسة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، إلى جانب الدعوة لأسلمة العلوم وأسلمة كل شؤون الحياة .
وترتبط الصحوة الإسلامية فكريا بعدد من المصلحين الإسلاميين، منهم : جمال الدين الأفغاني (1838 – 1897) الذي يعد من رواد هذه الصحوة مع تلميذه ورفيق دربه الإمام محمد عبده 1849 ) – 1905م ) إلا أن أكثر المؤثرين في تأسيس هذه الصحوة هو الإمام حسن البنا (1906- 1949) الذي أسس "جماعة الإخوان المسلمون" في مصر عام 1928 وهي أول جماعة إسلامية منظمة في العصر الحديث، وهي ماتزال إلى اليوم أوسع جماعة إسلامية في العالم، وهي أكثر الجماعات الإسلامية نفوذاً وتأثيرا في الأحداث !
ويعد الشيخ الباكستاني أبو الأعلى المودودي) 1903 – 1979 ) من دعاة الصحوة وباعثيها وهو الذي أسس في جنوب آسيا "الجماعة الإسلامية" التي تعد اليوم أحد أكبر الأحزاب الإسلامية في شبه القارة الهندية، إذ تنتشر في أربع دول، هي : باكستان والهند وبنغلادش وسرلانكا !
إلا أن هذه الحركات الإسلاميّة بالرغم من نشاطها المميز وانتشارها وكثرة أتباعها، لم تستطع الوصول إلى تطبيق برنامجها الأساسي الذي يقوم على تطبيق الشريعة الإسلامية، وهذا الإخفاق يرجع أساسا إلى عوامل خارجية عديدة، تعود إلى محاربتها من قبل الأنظمة العلمانية المتسلطة على المسلمين، والدعم الدولي الذي يساند هذه الأنظمة !
إلا أن هذه الحركات – بالرغم من الحروب التي تشن عليها والتضييق والملاحقات الظالمة التي تتعرض لها – ظلت تزداد انتشارا، ويزداد رصيدها بين عامة المسلمين، لما عرف الناس من سلامة توجهاتها الدينية والوطنية، ومازالت تزداد تأييدا من عامة المسلمين بسبب ما ينالها من عسف وظلم واضطهاد عبر جهادها الطويل لإقامة شريعة الله .
وللإنصاف نقول إن فشل هذه الحركات لا يرجع كله إلى عوامل خارجية، وإنما يعود بعض فشلها إلى عوامل داخلية، منها قلة اهتمام هذه الحركات بالنقد الذاتي ومراجعة أسباب الإخفاق بعد كل محنة، وكذلك ضعف الممارسة الديمقراطية داخل هذه الحركات، واعتمادها على قيادات ذات تأهيل سياسي وإداري متواضع، هذا إلى جانب الخلافات والانشقاقات الحادة التي تنشب في داخلها ما بين الحين والآخر !!
لكن؛ بالرغم من كل التحديات والعوائق التي واجهتها حركات الصحوة الإسلامية في مسيرتها فقد استطاعت تحقيق العديد من المكاسب، ووصل بعضها إلى السلطة وأحرزت نجاحات كبيرة، كما فعل مثلا "حزب العدالة والتنمية" الذي وصل إلى السلطة في تركيا، في عام 2001 وحقق لتركيا مكاسب عظيمة خلال سنوات قليلة !
Top of Form
وسوم: العدد 723