الحب في الله، والاعتصام بحبله
كثيراً ما تُرفع الآية الكريمة: (واعتصموا بحبل الله جميعاً...) شعاراً لبعض الملتقيات أو المؤتمرات أو التجمعات، فلنتذكر أنّ رافعي هذا الشعار لا يكونون صادقين إلا إذا كان ما يريدون الاعتصام به والالتقاء عليه منبثقاً من كتاب الله ودينه ومنهجه، كما أن هذا الاعتصام لا يكون فعالاً إلا إذا ارتبط بالإيمان والتقوى.
وقد عقد ربنا رباط الأخوّة بين المؤمنين فقال: (إنّما المؤمنون إخوة). {سورة الحجرات: 10}. وهو يقتضي أن الأخوّة تكون أكثر قوة، كلما كان الإيمان أكثر قوة.
وللأستاذ سعيد رمضان (المصري)، صهر الإمام البنا، رحمهما الله تعالى، رسالة لطيفة بعنوان: "أواصر الجماعة المؤمنة". وهو يجعل هذه الأواصر ثلاثاً:
آصرة الروح: وهي تربط القلوب بالله تعالى، بمحبته وخشيته وطاعته والحب فيه...
وآصرة الفكرة: وهي التي توضح معالم الطريق، وتبيّن أحكام الدين الكبرى التي إذا وعاها المؤمنون هانت أمامهم القضايا الفرعية الخلافية التي تتباين فيها الاجتهادات.
وآصرة التنظيم: وهي التي تجعل من المؤمنين جماعة ذات قيادةٍ تُوجِّه وتُسدد، وتوحد الجهود، وتَحُلّ المشكلات...
إنّ الاعتصام بحبل الله يعني:
- جَعْل رابطة العقيدة مقدمة على أي رابطة أخرى.
- النظر إلى أمهات القضايا التي تَشْغَل الأمة، والتغاضي عن الصغائر والهامشيات.
- تجنب كل ما يعكر القلوب والنفوس.
- المسارعة إلى حل أي خلاف، سواء في الأمور الشخصية أو الأمور العامة.
وهنا نثبت بعض معالم الاعتصام بحبل الله:
1- يجب تطهير القلب من الأضغان والأحقاد، كما نطهّره من الشرك والرياء... ونذكّر هنا بحديث عظيم يدلّ على فضل سلامة الصدر، وهو الحديث الذي رواه عدد من المحدثين على شرط البخاري ومسلم، في الرجل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "يطلُع الآن عليكم رجلٌ من أهل الجنة" وذلك في ليالٍ ثلاث، فكان هذا الرجل هو الذي قال عن نفسه: "لا أجد لأحدٍ من المسلمين في نفسي غِشّاً، ولا أحسد أحداً على خيرٍ أعطاه الله تعالى إياه".
2- ويجب أن يكون القلب عامراً بحب الله تعالى، والحب فيه، والبغض فيه، والأخوة فيه.
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد: "أوثق عُرا الإيمان: الحب في الله والبغض فيه".
وفي الحديث الذي رواه البخاري: "من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان".
وأي معنى لحياة المؤمنين من غير حب لله وحب فيه.
وقد عظّم النبي صلى الله عليه وسلم من شأن الحب في الله حتى أخبرنا أن المرء يُحشر يوم القيامة مع من أحب. فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يحب القوم ولمّا يلحقْ بهم!. قال: "المرء مع من أحبّ". رواه البخاري ومسلم.
الحب في الله عاطفة فياضة، نشطة، هادفة... وخطاب روحي، ورسالة قلبية حارة... ولا يصعب على صاحب قلب أن يلحظه في العيون والبسمات والكلمات.
دلائل الحبّ لا تخفى على أحدٍ كحامل المسك لا يخلو من العَبَقِ
وسوم: العدد 723