شهر رمضان فرصة سانحة أمام المؤمنين والمؤمنات للقرب من الخالق
شهر رمضان فرصة سانحة أمام المؤمنين والمؤمنات للقرب من الخالق جل وعلا والظفر بمحبته وولايته بشهادة نصوص القرآن والحديث
من المعلوم أن الله عز وجل تعبدنا بعبادة الصيام فرضا لنسمو روحيا إلى أعلى مرتبة العبدية المكرمة تأسيا بالملائكة الكرام الذين لا يشغلهم عن هذا السمو الروحي ما يشغلنا عنه من انصراف نحو الشهوات ، كما أنه تعبدنا بعبادة القيام نفلا لنعرض ذواتنا خلال أيام معدودات متتالية على رسالته الخاتمة المصدقة لما بين يديها والمهيمنة عليه، والتي تهدف إلى تخليق الإنسان بالخلق العظيم ليخوض غمار الحياة الدنيا راشدا ،ويغادرها إلى الحياة الآخرة فائزا . ولما كانت أيام شهر الصيام المعدودات متميزة بهاتين العبادتين اللتين تؤهلان الإنسان المؤمن لبلوغ أعلى درجة السمو الروحي ، فإنها تعتبر فرصة سانحة للقرب من الله عز وجل والظفر بولايته . ويشهد كتاب الله عز وجل وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فالله عز وجل مباشرة بعد حديثه عن فريضة الصيام المكتوبة على المؤمنين كما كتبت على الذين من قبلهم ، والغاية منها ،وإكمال عدتها ، وتكبير وشكر المنعم بها عليهم ، وبعد حديثه عن تزامن هذه العبادة مع نزول القرآن ليكون هدى وتوجيها لهم مصحوبا بالبينات والأدلة ومفضيا إلى تحقيق الرشد وهو إصابة الحق وتنكب الباطل ، ساق الجزاء عن ذلك بقوله تعالى : (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليومنوا بي لعلهم يرشدون )) . ومعلوم أن العباد الذين ينخرطون في عبادة الأيام المعدودات من شهر رمضان صياما وقياما ،يترقبون مقابلا عن طاعتهم ، ويخطر ببالهم أن يسألوا موقعهم من خالقهم بهذه الطاعة ، وهذا يحدث في كل عصر ومصر ، لهذا كشف الله عز وجل عما يجول في خواطرهم من تساؤل ليجيبهم عن ذلك . وقبل أن يجيبهم ساق لهم بشارة حين شرفهم فنسبهم لذاته المقدسة بقوله : (( عبادي )) وغالبا من تضاف كلمة عباد في القرآن الكريم للذات الإلهية المقدسة تشريفا لهم وتقريبا لهم. ولقد جاء جواب الله عز وجل عن سؤالهم مباشرا دون أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وسيطا بينه وبينهم حيث قال : (( فإني قريب)) ،الشيء الذي يدل على شدة قربه منهم لأن شأن القريب أن يكون أقرب إلى الاستجابة من البعيد . ولما كان الإنسان بطبعه لا يعتبر القريب منه إلا ما يعاينه ، وكان الله عز وجل محتجبا عنه لأنه سبحانه يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير ، فإنه يشعره بقربه منه عن طريق استجابة دعائه إذا ما دعاه ، لهذا أعقب قوله سبحانه : (( فإني قريب )) قوله : (( أجيب دعوة الداعي إذا دعان )) ،وهذا بيان حقيقة قربه إذ لا يستجيب إلا من كان قريبا . ولقد امتن الله عز وجل على عباده المؤمنين بنعمة القرب منهم، ولا يكون القرب إلا عن محبة ومودة ، وجعل ذلك في متناولهم ، وهيأ لهم ظرف رمضان لبلوغ ذلك . ولقد ورد في أحاديث نبوية شريفة أن العبد المؤمن يحصل له القرب من خالقه سبحانه وتعالى في أحوال معلومة . ومن تلك الأحوال حال السجود بين يدي ربه كما جاء في الحديث الشريف : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد " . ومن تلك الأحوال أيضا ما جاء في الحديث الشريف : " ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل ، والصائم حين يفطر ، ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام ، وتفتح لها أبواب السماء ، ويقول الرب عز وجل : وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " . وفي شهر الصيام تتأتى للعبد المؤمن فرصتان للقرب من خالقه سبحانه وتعالى ، والقرب منه يخوله استجابة دعائه ، أما الفرصة الأولى فهي فرصة الإفطار بعد الصيام ، وأما الفرصة الثانية ، فهي فرصة السجود في القيام . وفي الحالتين معا يكون العبد المؤمن في قمة الطاعة ، وذلك هو ثمن أو شرط القرب من خالقه جل جلاله . وللعبد أحوال أخرى يكون فيها أقرب من خالقه إما بسبب طاعة أو بسبب ظلم يلحقه كما جاء في الحديث، ويكون حينئذ في حالة ضعف تستوجب نصرته . وبالرغم من أن الله عز وجل دائم القرب من عباده المؤمنين ، فإنه بكون أقرب منهم وهم في عبادتي الصيام فرضا والقيام نفلا ، وذلك تشجيعا لهم على هاتين العبادتين ،وفيهما سمو روحي يحقق عبديتهم المكرمة والمفضلة على كثير ممن خلق الله عز وجل تفضيلا . ولقد ورد ذكر استجابة العباد المؤمنين لدعوة خالقهم مقابل استجابته لهم في قوله تعالى : (( فليستجيبوا لي وليومنوا بي )) واستجابتهم إنما هي التزام ما كتب عليهم من صيام يمكنهم من التقوى مصداقا لقوله تعالى : (( لعلكم تتقون )) ، واستعراض ما أنزل عليهم من قرآن ليعرضوا أنفسهم عليه للتخلق بخلقه، وهو ما يمكنهم من الهداية والرشد مصداقا لقوله تعالى : (( فيه هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان )) و مصداقا قوله تعالى أيضا : (( لعلهم يرشدون )) . ولقد جاء في الحديث القدسي المشهور بيان كيفية استجابة العبد المؤمن لخالقه ،حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه جل جلاله : " من عادى لي وليا آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه " . ففي هذا الحديث القدسي بيان كيفية حصول العبد المؤمن على منزلة القرب من خالقه سبحانه وتعالى . وحين يلتزم هذا العبد بما كتب الله عز وجل عليه من صيام يتحقق له القرب منه لأنه يتقرب إليه بما هو أحب عنده . وعندما يتقرب إليه بنوافل القيام يزداد قربا منه ، ويحوز جائزة محبته التي تجعله مسددا في كل سعي يسعاه ،مسدد السمع والبصر واليد والرجل ، فلا يصدر عن جوارحه هذه إلا السداد الذي يحقق عبديته المكرمة والمفضلة وسعادته في الدارين ، ويزداد عطاء الله عز وجل له، فيعطيه إذا سأل ، ويعيذه إذا استعاذ به ، وويل لما عاداه وهو حب أو محبوبه الله عز وجل ووليه . وإن الله عز وجل يتخذ من عاداه عدوا ، ويعلن عليه حربا هيأ لها جندا في السماء والأرض ، وهي حرب يدير رحاها جبار السماوات والأرض سبحانه وتعالى ، ولا غالب فيها إلا هو جلا جلاله، وتقدس اسمه، وعز سلطانه .
وإذا كان الله عز وجل القريب من عباده المؤمنين في كل وقت وحين والأقرب منهم في الأيام المعدودات من شهر الصيام ، فإن ذلك يعني أنه قد هيأ لهم فرصة سانحة للقرب منه عن طريق التقرب إليه بفريضتي الصلاة والصيام ، ونافلة القيام ، والظفر بمحبته إذ لا توجد نعمة أجل من أن يكون العبد محبوبا عند خالقه الذي يتولاه عن محبة . ولهذا يجب على العبد المؤمن أن يغتنم هذه الفرصة الذهبية ليصير وليا حيا من أولياء الله عز وجل مضروبا عليه قبة من محبة لا قبة من طين إذا سأل أعطي ، وإذا استعاذ أعيذ ، وإذا استنصر نصر ، ولا يحجب له دعاء ، ولا ترد له دعوة . وعليه أن يدعو بالعتق من النار لأنه من زحزح عنها وأدخل الجنة فقد فاز ، ثم يسأل في دنياه ما شاء ولكن يكون ذلك مشروطا بما يرضاه الله عز وجل . والله عز وجل إذا استجاب فإما أن يعجل أو يؤجل ويدخر. اللهم تولنا فضلا منك ونعمة وجد بالعتق علينا فإنك عفو تحب العفو ، وحقق لنا في عاجلنا ما ترضاه لنا من نعمك التي لا يحصيها عد ولا يؤدي شكرها شكر .والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 724