واجب الوقت، الحياة في سبيل الله ، أم الموت في سبيله
يختلط الأمر علي كثير من العاملين في طريق الدعوة اليوم خاصة من الشباب المتحمسين في أولوية كل مرحلة ، وما هو الأكثر نفعا للدين ، هل هو بذل النفس رخيصة في سبيل الله سبحانه في أول لقاء غير معد له مع العدو ؟ أم تربية هذه النفس والصبر عليها وإعدادها لبناء مجتمع إسلامي متين يكون أرضا صلبة ينطلق منها الدين مدافعا عن حرية الناس وحقوقهم لتحقيق أهم مبدأين بني عليها دين الإسلام وهما :
ـــ الحرية الواعية التي تضمن الفرصة كاملة للاختيار في ظل حماية مجتمعية واعية للفرد كإنسان خلقه الله حرا وليس عبدا
ــــ تحقيق العدالة السماوية المطلقة والتي تضمن المستوي الملائم لإعداد جيل يتمتع بكرامته ويحصل علي كافة حقوقه ؟
ومع عظم أجر الشهادة ومكانتها في الإسلام ومكانة الشهيد وما له من كرامات ، إلا أنها تستلزم الكثير من الشروط كي تبلغ درجة الشهادة وليس إهدار النفس دون مقابل
قيمة النفس في الإسلام
لقد كرم الله عز وجل الإنسان الذي خلقه بيده وحرم ظلمه والتعدي عليه بأي نوع من أنواع التعدي النفسي أو الجسدي ووضع حدودا وثوابت للحفاظ علي مقومات حياته وكرامته وحريته وذريته ودينه ومن قبل كل هذا نفسه فقال سبحانه {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151]. وقال ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ النساء: 93
، وقد حرص نبي الإسلام علي تلك النفوس حتى يكاد يموت كمدا إذا تفلتت منه نفس إلي النار فيقول رب العزة عنه " لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" [الشعراء: 3]
فالإسلام أحرص علي هداية الناس من ضلالهم وعلي حياتهم من قتلهم ، ومهمة المسلم أكبر بكثير من أن يضحي بذاته في سبيل هدف لا يسمو عليها ، هدف المؤمن عبادة الله ، وتعبيد الناس لله ، ورفع اسم الله في الأرض طواعية لا إكراها، حبا ورضوخا واستسلاما لا جبرا ، فالمهمة تستوجب وجود ذلك المؤمن الواعي متحملا في سبيل مهمته أذي البعض وخذلان البعض له صابرا مثابرا علي مخالطة الناس كي يبلغ كلمته كما بلغها حبيبه المصطفي صلي الله عليه
لن تموت في سبيل الله قبل أن تحيا في سبيله
فيجب أن نعي أنه لا بد من أن يكون للإسلام دولة وأرض ثابتة يقف عليها ، ومسلمون يمثلونه يحملون فكرته ويعملون بمقتضاها ويطبقون أحكامه ويدعون له ، بدءوا من حيث بدأ النبي صلي الله عليه وسلم مع صحابته وليس من حيث انتهي ، انغرست العقيدة في نفوسهم فصارت جزءا من كينونتهم والمحرك الأساسي لسعيهم في الأرض ، وصحت العبادة في أبدانهم فخلت من شوائب البدع ، وعلت الشريعة في قلوبهم فلا يدينوا لبشر من دون الله ولا يخافون في الله لومة لائم ، لهم علماء لا يخشون إلا الله ، ولهم حكام يعملون خداما للأمة ومصلحتها منطلقهم
باختصار يجب أن يكون للإسلام أمة ولو كانت عدة أفراد لا يتعدون عدد الصحابة ، وأرض ولو كانت عدة أمتار لا تتعدي مساحة المدينة المنورة ، يبذلون كل طاقتهم في نشر الفكرة ، ويعدون أقصي ما يطيقون لإرهاب عدو الله وعدوهم ، وحين يحدث ينطلقون من تلك الأرض وبتلك النفوس بتكليف الله لهم ليحققوا خيريتهم علي سائر الأمم " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ " (110) آل عمران ، فقبل الشهادة وقبل الجهاد وقبل الموت في سبيل الله ، هنا خطوة لا يمكن البدء إلا بتحقيقها وهي أن تحيا أولا في سبيل الله
تحرير المجتمع من جاهليته الغارق بها
تحرير الناس وإعطائهم الخيار كي يكونوا مسلمين حق الإسلام
تعليمهم كيف يكونوا مسلمين
ذلك هو واجب الوقت ، وإلا فأين هي دعائم ومكونات الدولة حين تموت في مهدها ، ومن يحمل الدين إلي بقاع الأرض إذا مات من يحملونه قبل أن يتحركوا به وفي سبيل ماذا يموتون ؟
شروط الشهادة
وهنا يمكن أن نتحدث عن شروط الشهادة ، فعن أبي موسى الأشعري أن رجلا أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله " متفق عليه ، والفارق في كل الحالات هي النية ، فالمرء الذي يذود عن أهله إذا اعتدي عليهم معتد فقتل فهو عند الله شهيد لأنه رفض الانصياع للاعتداء والاستسلام له كما أمرك بذلك النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن الرجل يأتيه الإنسان ويقول له: أعطني مالك ؟ قال: لا تعطه قال أرأيت إن قاتلني ؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني ؟ قال: إن قتلك فأنت شهيد .
قال: أرأيت إن قتلته ؟ قال: إن قتلته فهو في النار
دعاء سعد بن معاذ ودرس في الأولويات
جرح سعد بن معاذ في غزوة الأحزاب وبعد انتهائها اشتد علي سعد جرحه ، فنظر سعد إليه وقال: “ اللهم إن كنت قد أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني حتى أشهدها فإنه ليس أحب إليّ من أن أغزو قوما كذّبوا رسولك وآذوك، وعذبوه وأخرجوه، وإن كنت لم تبعد بيننا وبين قريش حربا، فأفجر هذه الجراحة واجعلها شهادة لي، ولا تمتني يا رب حتى تقر عيني من بني قريظة”، فما أن حكم حكمه في بني قريظة حتى انفجر جرحه وكان فيه شهادته، ولقي ربه.
وسوم: العدد 724