تأملات في القران الكريم ح363، سورة الزخرف الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ{55}
تستمر الآية الكريمة ( فَلَمَّا آسَفُونَا ) , اغضبونا بعد ان افرطوا بالعناد والتعنت , ( انتَقَمْنَا مِنْهُمْ ) , استوجبوا الانتقام , ( فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ) , فكان الانتقام ان اغرقوا بالبحر .
( عن الصادق عليه السلام إنه قال في هذه الآية إن الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس أن ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه ولكن هذا معنى ما قال من ذلك وقال أيضا من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها وقال أيضا من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال أيضا إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى المكوّن الأسف والضجر وهو الذي أحدثهما وأنشأهما لجاز لقائل أن يقول إن المكوّن يبيد يوما لأنه إذا دخله الضجر والغضب دخله التغير وإذا دخله التغير لم يؤمن عليه بالأبادة ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكوِّن من المكوَّن ولا القادر من المقدور ولا الخالق من المخلوق تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا هو الخالق للأشياء لا لحاجة فإذا كان لا لحاجة إستحال الحد والكيف فيه فافهم ذلك إنشاء الله ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ{56}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً ) , قدوة سيئة لمن يعمل ما عملوه لمن يأتي بعدهم من الكفار , ( وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ ) , وايضا جعل الله تعالى منهم موعظة لغيرهم .
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ{57}
تستمر الآية الكريمة مضيفة شيئا من خبر عيسى "ع" ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً ) , يختلف المفسرون في النص المبارك او في عموم الآية الكريمة :
1- ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً ) : حين نزل قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم فقال المشركون رضينا أن تكون آلهتنا مع عيسى لأنه عبد من دون الله . "تفسير الجلالين للسيوطي" .
2- ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً ) : وذلك حين شبّه النبي الكرم محمد "ص واله" عليا بن ابي طالب "ع" بأن فيه شبها من عيسى "ع" , يذهب الى مثل هذا الرأي جملة من المفسرين مستندين الى كثير من الروايات وردت من طرق مختلفة .
( إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) , تفسير النص المبارك على ضوء الرأيين السابقين يكون :
1- (إذا قومك) المشركون (منه) من المثل (يصدون) يضحكون فرحا بما سمعوا . "تفسير الجلالين للسيوطي" .
2- إذا قومك قريش منه من هذا المثل يصدون قيل أي يضجون فرحا لظنهم أن الرسول صار ملزما به وقريء بالضم من الصدود أي يصدون عن الحق ويعرضون عنه وقيل هنا لغتان . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ{58}
تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع ( وَقَالُوا ) , المشركون , ( أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ) , حيث عبدنا الاصنام بينما قوم عيسى "ع" عبدوه هو , فاذا كان عيسى "ع" سيورد النار مع عابديه حيث انه تعالى هدد المشركين بألقائهم في النار مع ما يعبدون فسيكون ذلك خيرا لنا من ان نلقى مع اصنامنا { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }الأنبياء98, ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً ) , ما ضربوا هذا المثل الا لأجل الخصومة , ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) , شديدي الخصومة , مبالغين في اللجاج .
إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ{59}
تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع ( إِنْ هُوَ ) , عيسى "ع" , ( إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ) , بالنبوة , ( وَجَعَلْنَاهُ ) , من غير اب , ( مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ) , غرابة ولادته "ع" من غير اب يستدل بها على قدرة الخالق البارئ .
وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ{60}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَلَوْ نَشَاء ) , ولادة عيسى "ع" من غير اب ليست بالأمر الصعب , فلو شاء الله تعالى لأراكم اكبر واعجب منها , ( لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً ) , حيث ان الملائكة لم يولدوا من غير اب فقط بل ومن غير ام أيضا , ( فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ) , فيخلفونكم في الارض .
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{61}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ) , وان عيسى "ع" لعلم ليوم القيامة تعرف بنزوله , وهو "ع" من اشراطها , ( فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا ) , فلا تشكوا فيها , ( وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) , وأطيعون في ما ادعوكم اليه فأنه الطريق المستقيم .
وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{62}
تضمنت الآية الكريمة نهي ( وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ) , لا يمنعكم الشيطان ويصرفكم عن دين الله تعالى , ( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) , يقرر النص المبارك ان الشيطان اللعين عدوا للإنسان ظاهر العداوة .
وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ{63}
تستمر الآية الكريمة مبينة ( وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ ) , بالدلائل والمعجزات , ( قَالَ ) , لقومه :
1- ( قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ ) : النبوة وشرائع الانجيل .
2- ( وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) : من بعد ما اختلف بني اسرائيل في التوراة وذهبت بهم المذاهب .
3- ( فَاتَّقُوا اللَّهَ ) : اطيعوه وخافوا عذابه .
4- ( وَأَطِيعُونِ ) : ثم اطيعون فأن طاعتي من طاعة الله جل جلاله .
إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{64}
يستمر كلامه "ع" في الآية الكريمة ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ) , مقررا لهم ان الله عز وجل هو الرب المستحق للعبادة , وذلك بعد ما اشرك بني اسرائيل واستمر بعضهم بعبادة العجل , والبعض الاخر تأثر بديانات الاقوام الاخرى , ( هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) , فأن التوحيد والعبادة الخالصة لله تعالى ترشد وتثبت الاقدام على الطريق المستقيم .
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ{65}
تبين الآية الكريمة ( فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ) , كان بني اسرائيل متحزبين , فاختلفوا فيما بينهم , وازدادوا خلافا , يرى بعض المفسرين ان مورد اختلافهم هو في ان عيسى "ع" نبي او هو الله او ابن الله او ثالث ثلاثة , ( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ ) , يتوعد النص المبارك الظالمين منهم بالعذاب الاليم .
هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{66}
تضيف الآية الكريمة مبينة ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ ) , ما ينتظرون الا قيام الساعة , ( أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ) , فستكون بشكل مفاجئ وغير متوقع ولا محسوب , ( وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) , بوقتها , غافلون عنها .
الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ{67}
تستمر الآية الكريمة مبينة ( الْأَخِلَّاء ) , الاصدقاء , ويرى بعض المفسرين انهم رفاق المعاصي , ( يَوْمَئِذٍ ) , يوم القيامة , ( بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) , حيث يتبرأ بعضهم من بعض , بعد ان ينسب فريقا منهم ضلالتهم كانت بسبب الفريق الاخر , ( إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) , اما الاخلاء "الاصدقاء" المتحابين في الله تعالى فيكون وضعهم استثنائي .
يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ{68}
تستمر الآية الكريمة مخاطبة المتقين ( يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ) , لا خوف عليكم من اهوال القيامة , ( وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ) , وسوف لا تحزنون على ما فاتكم .
الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ{69}
تستمر الآية الكريمة في بيان من هم المتقين :
1- ( الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا ) : بما جاء به الرسل من عند الله تعالى .
2- ( وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ) : خاضعين منقادين لإمره جل وعلا وطاعته , لا يستكبرون عن عبادته .
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ{70}
تستمر الآية الكريمة مخاطبة المتقين ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ) , التي وعدتم بها , ( أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ ) , انتم وازواجكم المؤمنات , او انتم ومن شاكلكم , ( تُحْبَرُونَ ) , تكرمون , تسرون , تسعدون .
يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{71}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ) , القصع واكواب لا عروة لها , ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ ) , وفي الجنة ايضا كل ما تشتهيه انفسهم , ( وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ) , بمشاهدته , ( وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) , خالدون ابدا , لا يخرجون منها .
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{72}
تستمر الآية الكريمة مبينة ( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا ) , التي اورثكم الله اياها , ( بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) , بما عملتم من الخيرات والاعمال الصالحة في الدنيا , حيث ورد ان "الدنيا مزرعة الاخرة" وهذا هو مورد جني الثمار .
لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ{73}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ ) , كثيرة موفرة غير منقطعة مختلفة الاصناف , ( مِنْهَا تَأْكُلُونَ ) , تأكلون منها .
وسوم: العدد 750