خواطر داعية مهموم
الخاطرة الأولى: الدروس الدينية " العلمانية "
تناقض؟ كم في دنيانا من التناقضات.
تابعوا الأحاديث والدروس والمحاضرات والمداخلات الدينية في الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام العربية المقروءة والمرئية والمسموعة تجدوا أنها تمارس الرقابة الذاتية، فلا تتناول إلا الموضوعات التي لا تزعج الطرح العلماني وتتفادى كل موضوع لا يُرضي العلمانية ، لذلك تُكثر من الحديث عن الدنيا والأخلاق الاجتماعية والعلم والحضارة والحوار والتعايش السلمي ( وهذا من صميم الدين بطبيعة الحال) وحصص الفتاوى التي تدور جلّ محاورها حول التعبّد الفردي ومسائله البسيطة المتكررة، لكنّها تبتعد تماما عن المحاور التي يعدّها العلمانيون بالية أو استفزازية مثل:
- حُكم تارك الصلاة.
- تفشّي الإلحاد عَلنا في الثقافة والإعلام.
- تغريب المجتمع.
- معصية التبرّج وفرضية الحجاب.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- إفساد اليهود كما ورد في القرآن والسيرة.
- الموت والقيامة والحساب والجزاء الأخروي.
هذه طابوهات قلّما رأيت "العلماء" والشيوخ يقتحمون حماها فإذا اضطروا إليها تناولوها بقفازات من حرير وأبْدوا لينا ونعومة مع المارقين وتحدثوا عن " اللباس المحتشم " – من غير أن يبيّنوا ما هو بالضبط – في حين يرفعون عقيرتهم ضدّ " التشدد الديني" ، يغمضون أعينهم عن الإلحاد والتنصير والدكتاتورية بل يدعون للحُكام الظلمة بطول البقاء ويصدّعون الرؤوس بخطر القاديانية والبهائية وعبدة الشيطان ويهوّلون من أمر التشيّع !!! وأنا أواجه كل الدعوات الهدامة لكني أتعجب من المبالغة في التهوين هناك والتهويل هنا.
لقد ربحت العلمانية هذه المعركة من غير شكّ.
الخاطرة الثانية :أنا داعية إلى الله ، أحمل هموم أمّتي، على رأسها:
- الشاب الجامعي الذي لا يجد عملا ويرى أصحاب السوابق العدلية يحظون بالتبجيل.
- الشاب الذي تقدمت به السن ولا يتزوج لأنه لا يملك سكنا ولا منصبا، بل لا يأمل في ذلك للأسباب المعروفة .
- الفتاة التي تتهددها العنوسة وتتربص بها الفواحش لأن الشباب غير قادرين على الزواج.
- " الحراقة" الذين يختارون المجازفة بحياتهم لأن اليأس يحيط بهم من كل جانب.
- العائلات الفقيرة التي لا تستمتع بالحياة بل تكتفي بالبقاء على قيد الحياة، والبذخ يتبرّج من حولها.
- أصحاب المؤهلات الكبيرة الذين لا يجدون مجالا ليبدعوا فيموتون ببطء في وظيفة هزيلة يقتلهم الروتين.
- العلماء والمثقفون الذين أرغمهم زمن الرداءة على الهجرة إلى الخارج، يُفنون أعمارهم في خدمة دول أجنبية وبلادُهم في أمسّ الحاجة إلى علمهم وكفاءتهم.
- أصحاب الأخلاق الرفيعة والأمانة والعفّة الذين أصبحوا غرباء غربة صالح في ثمود لأن لأن المجتمع يغرق في الانحراف بجميع أشكاله.
-
الخاطرة الثالثة: حين أخطب وأحاضر وأكتب لا أشنّ حربا على أعداء وهميين و لا أصارع طواحين الهواء.
مشكلتي ليست تاريخية، لا مشكلة لي مع المعتزلة أو معاوية بن أبي سفيان أو أبن سينا ، مشكلتي مع الاستبداد والظلم والتخلّف والفقر والمرض والرذائل.
مشكلتي ليست مع من لا لحية له لكن مع من لا دين له ولا خُلق ولا مروءة.
همّي لا ينصبّ على البُرقع أو الثوب القصير أو عود الأراك وإنما على الجهل الذي نعاني منه ونحن في القرن الواحد والعشرين، على العلمانية المتوحّشة الذي تريد اقتلاع الإسلام من الجذور، على الحداثة الزائفة التي تشيع الانحراف الفكري والخُلقي، على التغريب المفروض علينا بالقوة ليُفسد اللغة والدين والأخلاق والذوق .
مشكلتي ليست مع من يستخدم عقله – فلهذا زوّدنا الله به - ولكن مع من يؤلّه عقله ومن يُجمّده، كلاهما أخطأ الطريق ويعمل على إضلالنا.
مشكلتي ليست تصنيف المسلمين إلى ضالّ ومستقيم ، فأنا لا أملك مفاتيح الجنة ولا النار، مشكلتي مع من ينغّصون على الناس حياتهم بالفساد المالي والاختلاسات والرشوة والمحسوبية والحقرة وغلاء المعيشة ووضع الرجل في غير منصبه وعبادة المنصب وإفساد المرأة( والرجل كذلك) والأسرة وتحويل بلد عظيم كالجزائر إلى مكان يريد أبناؤه الفرار منه بأي ثمن.
هذه هي الأولويات التي أحاول معالجتها.
الخاطرة الرابعة: كبائر وكبائر
الكبائر وأكبر الكبائر مستويات مرتفعة في سلّم المعاصي قد تورد مقترفيها النار ما لم يتوبوا وما لم ينلهم عفو الله.
هل هي توقيفية لا اجتهاد فيها ؟ المدقق في الأحاديث النبوية التي تسردها يجد فيها ما يتعلق بالعقائد والعبادات لكن أيضا معاملات كالربا ، ومن المعلوم أصوليا أن ما كان من المعاملات فهو قابل للاجتهاد لأنه يدور مع علته ومقصده وهو مجال للقياس وأنواع النظر والرأي.
بناء على هذا أرى أن واقعنا يطفح بكبائر غاية في القبح لا تقلّ خطورة عن الخمر و السحر وعقوق الوالدين ، أهمّها :
- الاستبداد السياسي لأنه نقيض كرامة الإنسان وحريته الفطرية، واخطرُ منه تسويغُه باسم الدين.
- التزوير بكلّ أشكاله وعلى رأسها تزوير الانتخابات لأنه تحريف لإرادة الأمة. ( واعجبْ ممن يساهمون بحفاوة ونشاط في التزوير ثم يتسابقون في مواسم الحج والعمرة)
- نهب الأموال العامة ، وهذه أخطر عند الله من الملكية الخاصة لأن خصم الناهبين يوم القيامة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم نيابة عن المسلمين.
- إيثار الأقارب والمعارف في التعيينات والامتيازات والعطايا في دوائر الدولة ومؤسساتها.
- حبس الأبرياء من دون توجيه تهمة لهم ولا محاكمة.
وسوم: العدد 786