ذكريات أيام زمان.. نقاش مع والدي حول مستقبلي العلمي
...اعزائي القراء
مازالت ذاكرتي متقدة بنقاش جرى بيني وبين والدي في صيف عام ١٩٦١
حيث كنت قد انهيت امتحان البكالوريا بانتظار ظهور نتائج الامتحان .
قال لي والدي رحمه: والله ياهشام أريدك ان تدرس الهندسة الميكانيكية. اجبته: يا والدي رغم اني مغرم بالرياضيات ولكن ارغب بدراسة الطب وكان قد سبقني لدراستها أخين كما سبقني لدراسة الهندسة أخين اخرين احدهما درس الهندسة المدنية واخر درس الهندسة الميكانيكية
رد علي والدي : ياهشام بلادنا مقبلة على تصنيع وأريدك ان تساهم في تصنيع وطنك.
كنا يومها في أواخر عهد الوحدة مع مصر
فاستجبت لطلبه. وفِي ايلول انفصلت سوريا عن مصر وظل وعدي لوالدي قائماً، وارسلني رغم ميزانيته المرهقة الى إيطاليا لمتابعة دراستي في الهندسة الميكانيكية. وتخرجت و اثرت ان اخدم عسكريتي مباشرة بعد تخرجي حتى اخطط لمستقبلي لاحقا . واثناء خدمتي العسكرية قبل حرب ١٩٧٣ حيث كانت في معامل الدفاع اردت قدر استطاعتي وعلمي ان أساهم في خدمة وطني . وتقدمت لمديري المباشر بدراسة أولية لعمل تجهيزات خادعة باشراك متقدمة لإخفاء الآليات في الجبهة بعد ان درست علمها من بعض المراجع الأجنبية ، شجعني مديري المباشر على الدراسة. اخذها مني ووضعها في مغلف سري وأرسلها للأركان مع توصية منه . وكنت فرحاً الى اقصى حد . واحسب الايام التي سيحددون يوم مناقشتي لمشروعي.
ومضى شهر وشهران وبدأ القلق يساورني . اسأل مديري عن وصول اي رد . فكان يجيبني بالنفي ويحاول تطميني لاتقلق ملازم هشام سيصلنا الرد.
اعزائي القراء
انتهت خدمتي العسكرية في عام ١٩٧٢ ولم يصل الرد حتى الان
اصبت بخيبة امل من أولئك الذين يقودون بلدي ، ثم انغمست في حياتي العملية الخاصة حتى أتى اليوم الذي انتقلت به الى امريكا . حيث حصلت على درجة الماجستير من البولي تكنيك في احد البحوث في الهندسة الميكانيكية وحصلت على عمل في ادارة التصاميم والبناء في مدينة نيويورك ، وتدرجت في عملي حتى حصلت
على منصب مدير المشاريع الهندسية لادارة الصحة في نيوورك ، كان عملي وأدائي طريقي لتقدمي ، وأحيل الي مع مجموعة مهندسين دراسة التصميم الهندسي لمختبر هام لكشف الجريمة ومكافحة الارهاب ويعتبر ثاني اكبر مشروع من نوعه في العالم .فقمت بواجبي على اكمل وجه ، وأنهينا الدراسة ثم عهد الي بالاشراف على بناء المشروع وأكملت ذلك بنجاح وافتتح المشروع بحضور شخصيات رفيعه على رأسها محافظ نيويورك .
وفِي نهاية الاحتفال سلمني المحافظ شهادة تقدير لعملي المتميز.
وانا استلم الجائزة ترقرقت في عيني دمعتان . دمعة الفرحة لوجود اناس قدرت عملي في بلد حضرتها فقط منذ سنين
ودمعة الم وحزن وانا اتذكر مشروعي الذي اضحى ميتاً في سلة المهملات في وطني الذي تربطني به رابطة العشق والدم
واللغة والتاريخ .
اخواني
من اجل هذا المثال الذي اوردته اشدد على استمرار ثورتنا . ثورة للتغيير الاجتماعي وثورة للتغيير السياسي
سوريا بلد عريق
عريق بعروبته
عريق بعقيدته
عريق بتاريخه
عريق بقدرته على التغيير
وعريق بقدرته على الإبداع
مع تحياتي .
وسوم: العدد 808