خواطر فؤاد البنا 848
تمتلك أوروبا مقدرة فائقة في صناعة أشد المفارقات في تأريخ البشر، ومنها ما يتعلق بالمفارقة بين الأسماء والمسميات، ففي القرون الوسطى كانوا يُسمون طبقة من الكبراء بالنبلاء، ومن يقرأ أفعال أولئك النبلاء كما ترويها كتب التأريخ الغربي سيجد اجتماع سائر القبائح في خلالهم وأفعالهم حتى يمكن القول بأن أكثرهم كانوا شياطين لكنهم تسربلوا بجلود البشر، فقد كانوا يمتصون دماء من دونهم من الناس بلا أدنى رحمة وبصلاحيات كاملة من زعماء بلدانهم، وحتى لو تجاوزوا سائر الخطوط الحمراء التي هي قليلة في الأصل لمن هم في هذه المنزلة المرموقة؛ فإن ضمائرهم لا تؤنبهم بتاتا، إذ قبل أن يحدث ذلك فإن رجال الدين يهرعون إليهم بصكوك الغفران بعد أن يعترفوا أمام القساوسة بما ارتكبوا من فظائع وموبقات ويدفعوا مقابل تلك الصكوك! ومن هنا فلا نستغرب من قدرة الغربيين على قلب الحقائق رأسا على عقب، حينما يصنعون من الذئاب حمائم سلام ويجعلون من الضحايا المساكين وحوشاً كاسرة!
*************************************
رغم أني شديد التفاؤل والاسبشار بالقادم؛ نتيجة المزج في رؤيتي للمستقبل بين عوامل الغيب والشهادة، إلا أنني حينما أرى مخرجات كثير من مؤسساتنا التعليمية أصاب بقدر من الإحباط. إذ لو تمعنا في مخرجات كثير من (صروحنا التعليمية) لوجدنا أنها أوهَى من (بيوت العنكبوت)!
*************************************
من مال إلى التفاؤل في نظرته للأشياء وقراءته للظواهر؛ صار من أصحاب الطالع الحسن، ومن أكثَر من التشاؤم أصابه سوءُ الطالع؛ إذ أن التطيّر هو الطريق إلى الإحباط، وقد يوصل الإحباط صاحبه إلى القنوط، والقنوط قرين الكفر!
*************************************
كيف يمكن لقطار الأمة الإسلامية أن يسرع نحو التقدم الحضاري المنشود، وهو مثقَلٌ بخطايا أبنائه الذين استمرؤوا العبودية ورضوا بالدونية، وقنعوا بالفاقة وبقوا قابعين في ظلام الجهالة ويعاقرون العطالة، وما فتئوا يختلفون على أمور ما انزل الله بها من سلطان ويتناحرون لأتفه الأسباب؟ وفي ذات الوقت يضع أعداء الإسلام أمام هذا القطار أحجار العثرة، ويزرعون في سكّته ألغاماً موقوتة، ويقومون بتفجيرها حينما يريدون بأيدي الجهلة والحمقى من المسلمين أنفسهم؟!!
*************************************
كُن في علاقتك بمن دونك من الناس، ممن يَتدلّون كثمار الشجر عطاءً ولا يَتدنّون انحطاطا، بحيث تنزل إلى مستوى الناس وتساعدهم دون أن تشاركهم ما قد يرتكبه بعضهم من دنايا وما يقارفونه من كبائر!
بارك الرحمن جمعتكم.
*************************************
بعد قراءتها لمنشوري السابق قالت لي إحدى طالباتي في الدراسات العليا: من هم أصحاب (نهاية التأريخ)؟ فقلت لها: هم الغربيون ممن يعتقدون أنهم امتلكوا الحقيقة المطلقة في كافة أوجه الحياة وأن الثقافات والحضارات الأخرى ليست على شيئ، ويقف الأمريكيون في مقدمة القائلين بنهاية التأريخ، فقد دفعهم الاغترار بإنجازاتهم وانتصاراتهم في السلم والحرب وما حققوه من تقدم في مضمار العلوم والتكنولوجيا والفنون والإعلام، إلى القول بأن العبقرية قد انتهت إليهم، وأن دورات التأريخ قد توقفت عندهم، وأن على الأمم جميعا التسليم لهم بل والاستسلام أمامهم؛ من خلال التخلي عن عقائدها وثقافاتها وتقليد ثقافتهم في كافة ميادين الحياة، ابتداء بالتصور الكلي للكون والإله والحياة، ومرورا بالاقتصاد والسياسة، ووصولا إلى اللغة والعادات والتقاليد الاجتماعية، مما يعني انتهاء الخصوصيات الثقافية والتمايزات الحضارية ودخول بيت الطاعة الأمريكي!
وسوم: العدد 848