صورٌ تتلاشى
وقف سامي على الشُّرفة المُشرفة على الوديان والجبال ، وقد بدا رحيل الصيف خجولا بما حمله إلينا من الوباء والعناء والإبتلاء .
إتكأ سامي على حديد الحماية الملونة بألوان نفسه ، ورأسه مائلة قليلا نحو أحد كتفيه وعيناه تنظران في الإتجاه الآخر إلى اللاشيء ، وسبب ذلك ما يراه من تناقضات وجهالات ، فالناس في بأس شديد ولأواء ، فترى فلانا بالرغم من ذلك لا يتوقف عن الضحك ، وفلانا يقاطع أهله من أجل شريكته المـُـبَعّدة بين الأقارب ، وفلانا لا يعبأ إن آذى جاره بالسيف ، ولكن إن آذاه جاره بالقشة ودون قصد فإن صراخه يملأ الدنيا مطالبا بحقه ، وترى فلانا تهمسُ في أذنيه شياطين الإنس بالوسوسة فيصدق دون أن يحقـّـق .
تنهد سامي ونظر نحو السماء فإذا سحابة صيف عابرة كالسفينة تمخر عباب محيط السماء وتساءل : هل الحياة الدنيا صور وتتلاشى كتلك السحابة ؟
فكم من قريب وبعيد وجار وزميل في العمل كان يغدو ويروح في طرقات الحياة فرحل وكأنه لم يكن تاركا خلفه كل متعلقاته وما كان يجمع من حطام الدنيا الدنيـّـة ؛ لكن ما بال صور الراحلين لا تفارق الذاكرة ؟
هل الذاكرة عالم آخر أم صور وأحداث ومعلومات تـُـدَوّن في مستودع الروح ؟
ولماذا صورة الراحل فلان تشعرك بالحزن عليه والشوق اليه ، وصورة فلان تشعرك بالشفقة عليه ، وصورة فلان تشعرك بالراحة منه .
وبعد انتهاء الدنيا وتلاشيها ، والنفخ في صـُـوَرِ الراحلين يفصل الله تعالى بين الخلق يوم الفصل والحساب بالعدل .
وسوم: العدد 898