دعوها فإنها منتنة
انتصار العبد الله
ما خلصت إليه من أحداث مخيم اليرموك الأخيرة... أن الكارثة تكمن عندما نفرض تناقضاتنا الداخلية على رؤيتنا الإنسانية..
إلى أي منطق يستند من ينسف من ضميره آلاف الشهداء ومثلهم من المعتقلين والنازحين، ويتناسى ما يشاهده من أشلاء ودماء، ويصمّ أذنيه عن أنين الثكالى وصرخات الأطفال، ليلجأ إلى تصنيف الحالات الإنسانية وفقاً للخلفيات الجغرافية لأصحابها..
وبكل أسف فلا تزال الأيام تصفعنا بحقائق مؤلمة حول ما اعتقدنا أن ثورات الربيع العربي ستنهيه فينا.. وأن وجودنا في خندق واحد وتحت يد جلاد لا يرحم سيلغي نظرتنا الضيقة للأمور ويفتح أذهاننا على المعنى الحقيقي للوحدة والأمة.. إلا أن ما حدث أثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن سايكس بيكو قد عششت وتعرشت في عقولنا، فأصبحت المقياس والمرجع الذي نبني عليه مواقفنا وتحركاتنا..
لن يمثلني أبداً من يعتقد أن هناك من البشرية من هم ذوو دماء زرقاء، وأن بعضاً من الأرواح مقدسة لا يجوز المساس بها..
لأن قدسية الروح ونقاءها تستمد من خالقها.. وهم أمامه سواء..
لن أستسيغ مهما كان فكرة تجاهل ما يعانيه أهلنا في مخيم اليرموك – فلسطينيو الأصل- وإن كنت أمقت هذا التصنيف، فهم بين أهلهم وفي وطنهم دون أي تمييز بينهم وبين من يقبعون خارج المخيم... كما وأنني لن أرضى لأي كان بأن يتشدق بالمبادئ والأخلاق لمجرد اشتراكه مع أهل اليرموك في النسب، ويتناسى ما يحدث على كل حبة رمل من ثرى سورية..
مخيم اليرموك.. حالة إنسانية خالصة لا تحتاج إلى تصنيفاتنا وتعقيداتنا..ففيه تتجسد وحدة المبادئ والأخوة والتضحية.. هناك تعيش المعنى الحقيقي للأمة.. بعيداً عن العنصرية والتحزبية..
دعوها فإنها منتنة... فالإنسانية أسمى من مزاداتكم..