الصبر
يحتاج الإنسان إلى الصبر في حياته ، يحتاجه في مواقف عديدة ، وفي حالات متنوعة ، ويشعر الإنسان بحاجته إلى الصبر سواء أكان عالما أو أميًّا ، قويا أو ضعيفا ، غنيا أو فقيرا ، رئيسا أو مرؤوسا . فالصبر فيه خير كثير ، وفيه دليل على ماوهبه الله للإنسان من قوة وإرادة وحسن نظر ، بل ومن أمر نزل به الوحي من عند الله تبارك وتعالى ، وجعل الله للصابرين الثواب والمكانة والمعيَّة ، على أن يقترن هذا الصبر بحُسن الظن بالله ، وقوة اليقين لدى الإنسان . وهذا ما يسمو به ، ويجعله يرى ثمراته ولو بعد حين .
والمسلم ليس بحاجة إلى أقوال أهل الفلسفة في فضيلة الصبر ، ولا يدين لأقوال نمقتها عقول هؤلاء وتفسيراتهم ، لأن الصبر لدى المسلم مزية من مزاياه ، وصفة من صفاته التي يعتز بها ، فالصبر على أداء الفرائض والواجبات ، والصبر على هجر الموبقات المغريات ، والصبر على النوازل والمحن ، والصبر على كل ما يشعر الإنسان أنه وقع في بيئة اختبار لإيمانه ولجَلَده ولطاعته لأمر الله ، وهنا يسجل التاريخ أعظم موقف الرجال الأبرار وهم يواجهون أشد المواقف التي قد تودي بحياتهم . فإنهم على يقين لاشك فيه بأن صبرهم أنالَهم خيرا مما فقدوا في دنيا فانية ، وأن مالدى ربهم يوم الخلود لايمكن أن تحيط به عقول البشر . فالصبر الجميل هو الدليل على صحة الإيمان وصدق اليقين ، فلا جزع ولا خوف ولا تقهقر أمام المصائب ، بل إن الصَّابر يكظم غيظه ، ولا تبدو عليه إمارات الضجر والقلق ، وهنا تتجلى شجاعة أولي الصبر على دواعي الأهواء ، ويخرج الصابر منتصرا بأي حال انتهت إليه الأمــور .
فالجنة هي مآب الصابرين على الأمراض مهما عظمت ، ففي الأثر إذا مرض العبدُ بعث اللهُ إليه ملَكينِ فقال: انظُروا ما يقول لعُوَّادِه؟ فإن هو إذا جاؤوه حمد اللهَ وأثنى عليه، رَفعا ذلك إلى اللهِ، وهو أعلمُ ، فيقول: لعبدي عليَّ إن توفَّيتُه أن أُدخِلَه الجنَّةَ وإن أنا شَفيتُه أن أُبدِلَه لحمًا خيرًا من لحمِه، ودمًا خيرًا من دمِه، وأن أُكفِّرَ عنه سيِّئاتِه). ففي الصبر على المرض تكفير للذنوب ، ورفع للدرجات ، ورفعة في المكانة عند الله ، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِن شَوْكَةٍ فَما فَوْقَها إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بها دَرَجَةً، أوْ حَطَّ عنْه بها خَطِيئَةً)، وعلى المصاب أن يصبر عند وقوع المصيبة ، ويتلقاها بالأقوال المأثورة لينال الثواب والمكانة ، فلقد مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بامرأةٍ تبكي عند قبرٍ، فأرشدها إلى أن تتّقيَ الله، وتصبر، فقالت له: وما تبالي بمصيبتي، دون أن تعرف أنّها تُحدّث النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلمّا عرفت ذهبت إليه، وأخبرته أنّها لم تعرفه، فأجابها: (إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَ) . وما أجمل ماقاله الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ، حيث العقيدة الصحيحة ، والحكمة البالغة ، والإرشاد القويم :
وسوم: العدد 938