رسالتي لسقاة الغرس
قضيت زهرة عمري معلما أرتدي مئزري الأبيض، أحمل محفظتي المصنوعة من جلد أصيل، محفظتي تحمل النفائس، لا أمل حملها و لا تمل مرافقتي، أقضي معها أجمل أوقاتي، تحمل مصحفي و دفتر أعمالي و مذكرات دروسي، كما تحمل قاموسي، و فيها مقلمتي و عدة عملي.
أنهض باكرا و أنا أستحضر نيتي، أستحضر نشاطي، فأضع نصب عيني موعدي المضروب في مدرستي ، أجدد نيتي حتى يرفع مقامي . قال -تعالى -: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11) فأدعو الله أن يرفع درجتي و يرفع مقامي .
إذا حلت قدماي باب المدرسة ، استشعرت المسؤولية الملقاة على عاتقي ، فالأمانة كبيرة و شروطها صعبة ، لا أقول هذا تخويفا أو إضعافا لعزائم أبنائي المعلمين الجدد و لكن عظم المهمة التي خصت لإعداد أجيال بناة المستقبل و صناع النهضة ، ليست مهمة سهلة ، يستصغرها المربون .
قال ابن حزم: وطن نفسك على ما تكره يَقِلَّ هَمُّك إذا أتاك، ويعظمَ سرورُك ويتضاعف إذا آتاك ما تحب مما لم تكن قدَّرْتَه. (لأخلاق والسير في مداواة النفوس ص26)
و أشد نفسي لأكون قدوة عملية، أتحرى أن أكون متناغما مع مهامي و حتى لا أكون الثغرة التي تضرب منها رسالتي ، فأحرص على مثانة أخلاقي و حسن سيرتي ، أن أكون أنيقا في مظهري ، منضبطا في أعمالي و واجباتي ،و أن حريصا على وقتي فأصرفه في إنجاح مهامي ، فأجتهد لأكون قدوة صالحة لطلابي و تلاميذي ، قدوة صالحة لزملائي ، و لأكون قدوة صالحة لمجتمعي .
يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في وصيته للمعلمين: ( ثم احرصوا على أن ما تلقونه لتلامذتكم من الأقوال منطبقًا على ما يرونه ويشهدونه منكم من الأعمال؛ فإن الناشئ الصغير مرهفُ الحس، طُلَعَةٌ إلى مثل هذه الدقائق التي تغفلون عنها، ولا ينالها اهتمامكم، وإنه قوي الإدراك للمعايب والكمالات؛ فإذا زينتم له الصدق فكونوا صادقين، وإذا حسَّنتم له الصبر فكونوا من الصابرين.
واعلموا أن كل نقشٍ تنقشونه في نفوس تلامذتكم من غير أن يكون منقوشًا في نفوسكم فهو زائل، وأن كل صبغ تنفضونه على أرواحهم من قبل أن يكون متغلغلًا في أرواحكم - فهو لا محالة ناصل حائل، وأن كل سحر تنفثونه؛ لاستنزالهم غير الصدق -فهو باطل.
ألا إن رأس مال التلميذ هو ما يأخذه عنكم من الأخلاق الصالحة بالقدوة، وأما ما يأخذه عنكم بالتلقين من العلم والمعرفة فهو ربح وفائدة ) . (عيون البصائر ص291)
و أن أتطلع للأمور الكبيرة ، فيكون شغلي تميز أعمالي ، فتكون متقنة ، تتميز بجودة الأداء ، و أن أكون ملما بأهدافي و معارفي العلمية ، كما أحرص على تفوق تلاميذي و طلابي و منها تميز مؤسستي ، و لا يكون هذا إلا بغلو الهمة .
يقول المتنبي :
على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ … وتأتي على قدر الكريم المكارم
وتكبر في عين الصغير صغارُها … وتصغر في عين العظيم العظائم
و خلاصة قولي : أن رسالة التربية رسالة عظيمة ، أجرها ثابت ، فيها سعادة الدنيا و سعادة الآخرة ، نمضي نحن و تبقى الأجيال تحمل مشعلنا الذي حملناه ، فنسعد بغرسنا الذي زرعناه ، فيكون زرعا نافعا يؤتي أكله بإذن ربه .
وسوم: العدد 998