لـو تــآخوا على جني الثمار ...

تملك أمتنا زاد الأرواح ، ومراح المشاعر ذات الإشعاع النافذ في أعماق الرؤى التي يتمنونها عن بُعد ، وهي بين أظهرهم . ولدى أمتنا من الأفذاذ ذوي القدرات الكبيرة ، والمعنويات العالية ، والرؤى المستقبلية الأثيرة ، ومن حُسن إدارة التَّوجُّهات والأفكار ماينأى برسالتها الربانية السامية عن التباطؤ في تقديم السمو الذي يحتاجه المجتمع الذي افتقده لسبب أو لآخر ـ كما يقولون ـ وعن التَّلكُّؤ في تلبية نداء الواجب المُلقى على عاتقها ، فإن الله سبحانه كلَّف أمتنا بتبليغ دعوته الإنسانية العالمية إلى جميع الناس ، ولعلَّ وعي ذوي القدرات الكامنة في صدور رجالها الأبرار يمنحونها أسباب القيام من جديد لأداء واجبهـا هــذا، ودفعها في مساراتها القويمة رغبةً في الوصول إلى الأهداف الغالية في إنقاذ بني آدم من أهـوال يوم لاريب فيه ، فالأبرياء من الناس في أقطار الأرض يتطلعون إلى جنيِ ثمارِ شريعة أنزلها ربُّ العباد على جميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .   

فذوو القدرات من العلماء الأبرار ومن خلال إرث نفيس من نبيِّهم صلى الله عليه وسلم  يستطيعون النهوض بأبناءِ الأمة ،  والمحافظة على قيمهم الأصيلة وإرثهم النبيل ، وإثارة حافز الشيم والهمم من خلال خطوات إيجابية لإيقاظ تلك الروح التي تألقت في عصر النبوة ، حيث تغلبوا على ماكان في زمانهم من الباطل ، ودفنوا معالم الشرك إلى الأبد ،واستجاب لهم الناس الذين يحملون في جوانحهم طيب الفطرة وسلامة القلوب ، وما أعاقتْهم مافي مجتمعاتهم الجاهلية من تحولات جانبت طهارة الفطرة وسلامتها  ، بل جــد مَن آمن إذْ ذاك عن وعي بقيمته كإنسان ، وبمسؤوليته أمام خالقه إذ عليه نصيب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  لـبناء المجتمع الفاضل ،وهنا يقع العبءُ الأكبرُ على ورثة الأنبياء الذين يعيشون بين ظهراني أمتهم ، لأنهم الأقدر على التكيف مع المستجدات ، والأجدر على توسيع دائرة العمل الإيجابي الفاعل ، بما يملكون من علم، وما يتحلون به من مزايا ، ومن مكانة بين أفراد مجتمعهم . فأُمتنا اليوم بحاجة إلى تآخي كلِّ أبنائهـا لجني ثمار ماوهبها الله سبحانه وتعالى من قيمة اجتماعية ، ومن مكانة عالمية ، وبالتالي من شريعة ربانية فيها خيري الدنيا والآخرة .  لإرساءِ القيم الإسلامية الغالية ، وتفعيل دور العبادات ، وترجمة معاني التقوى إلى أعمال وسلوك ، وإلى البعد كل البعد عن مواطن الإسفاف التي استأثرت بمساحات واسعة من أرض الله المعمورة في أرجاء الأرض . ولهـا الحق في استشراف الأسمى والأفضل من التَّطلُّعات المستقبلية ، ووضعها في مدار التنفيذ من خلال برامج وعظية مؤثرة في نفوس الناس ، وليتم استغلال طاقات أفرادهم وتوجيهها على مدارج الخير والعطاء . والشباب منهم بصورة خاصة ــ وهم عُدَّةُ الأمة ــ وهم أهلُ التَّوثُّب والقدرة ،وهم اليد المهيَّأة لإدارة عجلة العودة إلى ماكانت عليه الأمة في حقبها التاريخية المجيدة  .

قد تبدو هذه المهمة المقدسة صعبة المنال ، وهذه هي حكاية المنهزمين الخوارين الذين مادروا عن شيء من نواميس الكون التي أرادها الله ، فالله سبحان بيده الأمر كله، يفعل مايشاء ويحكم مايريد ، ولا يغير مافي هذه الأمة من أحوال الهوان والضعف والذلة إلا إذا هي غيَّرت واقعها المرير ، وركبت في سفينة النجاة التي أعدها الله لهــا ، وكما سخرها لمَن كان قبلهـا من الأمم .

( قُلِ ٱللَّهُمَّ مالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ۖ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ ) 26/ آل عمران . فالله سبحانه هو وحده مالك السماوات والأرض ، وبإرادته يؤتي الملك والحكم في الدنيا لمَن يشاء ، وينزع هذا المُلكَ و الحكم عمَّن يشاء ومتى شاء . ومن لم لم يؤمن بهذه الحقيقة ، فليسأل التاريخ ويتفحص الآثار ليعلم مصير النمرود وفرعون وهامان وقارون ، وأي جهل وأبي لهب ، والمئات من طغاة العصور الذي نكَّل الله بهم في الدنيا ، وقد لاقوا مصيرهم عند الله . نؤمن نحن كمسلمين ولله الحمد بما أنزل الله في كتابه الكريم ، ونؤمن بما جاء عن نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي لاينطق عن الهوى إنْ هـو إلا وحي يوحَى ، ولسوف يتحقق كل ما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وسلم  مهما كانت الظروف ، ومهما دلهمت النوازل على هذه الأمة ، فلن يخلف اللهُ وعدَه ، ولن يخيِّبَ رسولَه صلى الله عليه وسلم   في نصر أمته وفي تأييدها مهما كانت قوة الأمم التي تداعت عليها في هذا الزمان . فَلْيَتَآخ أبناءُ أمتنا على جني الثمار ، ثمار فضل الله عليهم ، ففي صلاحهم وتقواهم وحبهم لربهم ونبيِّهم صلى الله عليه وسلم يتم قبولهم عند الله ، وعند ذلك تبدأ المسيرة ، مسيرة الفتح للأمة على ماطلع عليه النهار وأظلم عليه الليل في أرجاء هذه الغبراء التي تعيش القلق والخوف من نوازل لايعلم عواقبها إلا الله عــزَّ وجــلَّ  .

فمن يسدد خطوات مَن يجنون الثمرات الطيبات ، ومَن يشد عزائم كتائب الأمة لترف راياتهـا بالأمن والسلام والإخاء في آفاق المعمورة ، ومن يبدد آثار الوهن والخوف والشعور بالدونية والمهانة أما م الأمم الباغية التي تتسلط اليوم على عباد الله في كل مكان .

ومَن الذي يفتح أبواب  الأمل المشرق أمام خطوات الجادِّين ، ليؤدُّوا واجبهم المنوط بهم أصلا غير منقوص . ومن الذين بأيديهم مفاتيح التفاعل مع حقائق الإسلام ، وإحياء روحانية المناجاة مع بارئ الأرض والسماء ، لتـزول المعوقات ، وتتلاشى العقبات ، وتندثر آثار القلق والحيرة والتلكؤ أما التائبين الأوابين ،ويعني ذلـك أن الله سبحانه قد رضي عن الأمة الأوَّابة ، وأن الأماني تتحقق بمشيئة الله ، ولعلهـا إضاءات التفاؤل المسؤول عن وسائل النجاح الباهر الذي ينتظره المسلمون ، بل والعالم أجمع. فما فسد من سلوك يتم إصلاحُه ، وما ونى من عزم يعيده الإيمان بالله ، وما كان من تواكل يدحضه قيام الليل وصيام النهار ، والثناء والتقدير عندئذ للمجدين السَّبَّاقين إلى منازل المجد والسؤدد التي هي موئل الصابرين الثابتين على الحق ، الذين لن تضيع لتضيع أعمالهم سدى بلا عاقبة محمودة ولا رصيد باقٍ يستعين به على تقلبات الأيام .عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء رفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ) .