أصناف الجلساء
من عادتي أن أجالس الناس، و أبسط أساريري معهم، و أن أكون هين لين معهم، أحمل ابتسامتي معي فتكون دليلي لقلب من أجالس، و أحرص أن يكون التعارف بيننا أول مدخل لحديثي معهم، فأعرض أجمل صور الجمال لجليسي، فأذكر بعضا من الخلال الطيبة ألتي تبسط جليسي و تشرح صدره .
أحاول تجنب المنفرات فتجدني أفر من الخوض في الخصوصيات ، أحاول أن تكون للجلسة فائدة خادمة ، تكون ممزوجة بحكمة أو قصة أو خاطرة لها في واقعنا سند ، و للحوار جذبه النفسي في نفس الجليس المستمع ، فالكلام أخذ و عطاء ، كما أن وجهة نظر الآخر مهمة في الولوج في عالم نفس الإنسان.
فأراعي طباع من أجالس، فلا أكون ثقيلا مع من طبعه المباسطة ، من يفضل النكتة و المزاج ،فأحاول أن يكون مزاحي فيه فسحة لا تخرجني عن أدب المروءة .
كما أراعي نفسية من طبعه الجد و الصرامة، فأتأدب بخلال أصحاب المقامات الجادة فأعامله بطبعه، أتناول الأمور المهمة، فأحرص ألا أحيد في حديثي أو رزنامة وقتي عن ضوابط صرامة في غير خروج عن المألوف ، لأن لزوم الجد و الصرامة ثقيلة في النفس ، فأتعمد ترطيب المقام بشيء من الفسحة الجادة القصد تحصيل. الفائدة و كسب مودة جليسي .
و إن كان طبع من. أجالس خشونة في الطباع أو حدة في المعاملة أو عصبية في الرأي و المناقشة أو مزاجي الطبع متقلب الهوى، فمن واجبي أن. أكون لبقا حذرا ،فتأملك نفسي ، فلا اتركها تنزل لمدارك و منزلة هؤلاء ، فأكون حليما يتصيد مواضع الفائدة و لو مع ثقال طباعهم ، فلا أنزل منازلهم ؛ فالصبر على المخالطة فيها أجر لمن يصبر على مخالقة الناس بالأخلاق الحسنة .
و ختام حديثي أنقل لأحبابي هذه اللطيفة التربوية المفيدة
يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله :{ و أحذروا غاية الحذر من احتقار من تجالسه من جميع الطبقات , وازدرائه , و الاستهزاء به قولا , أو فعلا , أو إشارة أو تصريحا , أو تعريضا , فإن فيه ثلاث محاذير:
أحدها: التحريم والآثم على فاعل ذلك.
الثاني: دلالته على حمق صاحبه.
الثالث: أنه باب من أبواب إثارة الشر ,والضرر على نفسه)
من كتاب: أخطاء في أدب المحادثة والمجالس ـ الشيخ: محمد بن إبراهيم الحمد.
وسوم: العدد 1014