مزقت صفحاتي
في الكثير ينتابني شعور خفي ، أن أطوي صفحة أيام ماضية ، أفضل ردمها بطمي الطين الازب، أطوي صفحة أيام تلاشى بريقها الكاذب ، للأسف أيّامها كستها برودة عواطف كاذبة ، وشح مودات زائفة ، كنت حين أبصر خلفي وأعاود الإبصار ، أحمل نفسي بعيدا عن كآبة المنظر ، لا أصدق تلك الابتسامات المصطنعة ، ولا ضرب الأكتاف مع الأحضان ، وهي تخفي لؤم الثعالب ، تكرر عادتها ، تختل فريستها ، تخادعها لتوقعها في شراكها.
لا تلمني إن طويت صفحات كتاب أصفر كان يزوّر الحقائق ، حين رسم في مخيلتي مدينة فاضلة ، رسم في مخيلتي مدينة تتغنى بالطّهارة ، وفي جوفها مرتع القذارة ، رسم في مخيلتي أغنية حبّ خالدة ، تدوم مع الأيّام ولا تتغيّر ، لكنّ سحابة الصّيف عكّرت صفوها ، وبلدت عواطفها ، فأصبحت حكايات أمس لاغية ، أصبحت عواطف صحراء قاحلة .
يلمحك من بعيد ، فتظنّ أنّ الرّبيع حلّ قادم نحوك ، وأن عبيره سيعطرك بأريجه ، لكن سرعان ما يصرفه تعكر الأجواء ، ترافقه تقلبات جويّة غاضبة ، يخفض الرّأس ثم يمضي مسرعا ، كأنّه يفرّ من حرارة لفح الهجيرة ، وقد كانت نسمات الربيع الطيبة ، تحمله نحوي ، يوم كان الصّفا يجمع أبناء العشيرة ، كان يهمس في مسامعي ، كان يشدو بأغنية البلابل ، لكنّ تلاشى اللّحن الكاذب ، وأصبحت الأصوات مبحوحة مخنوقة .
لا تلمني إن مزقت الأوراق، لا تلمني إن وضعت الأقلام والمحابر ، فذهني بات مشوشا وأفكاري أضحت مبعثرة ، فأحلام الأمس الوردية أضحت فاقدة لمعناها ، افتضحت و تعرت ، حين غاب الصّفا وغاب الأنوار الصّافية، وغاب توهج القلوب الصافية ، حين كلحت الوجوه وغابت الأسارير الصّادقة ، وعزت الأكف ، أن تتصافح بصدق ، وعزت النّفوس أن تلتقي على الإخاء ، تبسط وداد القلوب و المشاعر ، فتصنع المحبة ، وعزتت النفوس أن تلتقي في أجواء التّغافر، في رحاب السّلام ، فتُحجب الأحقاد و تغيب الضّغائن .
لا تلمني إن غابت هذه اللّطائف في سمانا ، أن أطوي صفحاته في مخزون الأرشيف المكدس في المخازن ، ولم يبقى لأمثالي إلا تمزيق الصفحات .
وسوم: العدد 1053