مهارة لباقة الحديث

من لباقة المجاملات فن التعامل مع الغير ، بلباقة الحديث  و مراعاة المقام و المناسبة ، فليس من الذوق توظيف الكلام السوقي أو المزاح الثقيل ، أو تبطين الإهانة بأسلوب المدح ، فجميعها ليست من الذوقيات التي   نكسب من خلالها القلوب ، أو بها نعزز توثيق الروابط .

فأحيانا تقطع مودة أو تكدر صفو علاقة بهفوة لسان غير محسوبة ، ظنا منا أن تلك السقطات من الهنات الصغيرة التي نألفها جميعا في مجالسنا أو أنديتنا أو أماكن عملنا أو في اللقاءات العارضة ، فنجريها على لساننا مع من لا يعرف طباعنا ، كأن نعامل الرجل الرزين بخفة طباعنا ؛فيحصل الخصام و الشروخ ، يصعب مداواته و علاجه  كل ذلك بكلمة لم نزنها ، و  لم نحسب لها  ، لأن طباع من مازحناه لا تقبل مثل هذه التصرفات .

و البعض الآخر يتعمد أن يعامل الناس في الفضاءات العامة ،  التي يفرض  أن يراعى فيها لباقة المعاملة  ؛  يتحلى فيها بشيء من الرزانة  ، فلا يحسب ما يخرج من فمه ،  فقد تكون تلك الكلمات تنمرا لفظيا يترك آثارا سيئة ،  في نفس من تعرض للتهكم أو السخرية ،  بحسن ظن أو مكر متعمد ،  و لو كانت دردشة أو تنفيس أو مباسطة ، و لكن طريق وصولها للمتلقي تترك آثارا عكسية  .

و هذا التنمر الكلامي نجده في المدرسة قد يوظف المربي مع تلاميذه دون قصد ، فيسمي التلميذ اسم حيوان ،  أو ينعته بصفة ذميمة ، وتؤثر سلبا على شخصية التلميذ ، فيميل التلميذ  إلى الانطواء و العزلة ، أو تؤثر على مستواه التحصيلي ، وذلك بسوء المعاملة ،  فيصاب التلميذ بأمراض نفسية يصعب علاجها ، يحصل كل ذلك بحماقات غير محسوبة ، يكون فيها التلميذ هو الضحية .

من هذا المنطلق علينا ألا نقلل من أهمية امتلاك لباقة الحديث ،  و امتلاك مهاراتها ، فيحسن بنا أن نتخير  من طيب الكلام و أجمله ، و مختار لكل مناسبة و مقام  أسلوبه ، فنخص الصغير أسلوب التعزيز الذي يقوي شخصيته ، و نتخير مع صاحب المقام و المكانة الكلام الذي يليق بمقامه ، و مع المقصر الكلام الذي يعالج تقصيره  دون النيل من كرامته  النفسية   ، المربي يقوم الخطأ  لا  المخطئ  ، علينا معرفة مسار الكلمة و طريقها ، فنعرف الهدف المرجو من توظيف الكلمة لتحقق أهدافها ، نراعي الأثر الطيب الذي تصيبه هذه الكلمة ، فتصدق  قلبا و تزرع حبا ، تداوي حرجا  .

في ختام المقال أن الكلمة رسالة بليغة لها أثرها التربوي، فالكلمة الطيبة صدقة، والكلمة الطيبة تدفع الأذى، و بالكلمة نهدي بها ضالا، و من خلالها ننبه غافلا، و بها نقوم عيبا، و من خلال نسكن فتنة.

لنجعل من كلماتنا مفتاحًا للخير، مفتاحا للسعادة، نجعلها طريقا نصلح به حياتنا، نشم عبيرها الفواح فنجيب النداء السماوي {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83].

وسوم: العدد 1091