ما زلت على عهدي
الأيام تمر و عمرنا يتقدم ،ربما تغيرت ملامح الأمس ، ربما ذهبت نضارة العمر ، يبدو كل شيء تغير بسبب عوامل الزمن ، فالمادة تتغير ، لكن يقينا هناك أشياء لا تتغير مهما تغيرت العوامل
.
الأيام تمر في حركية سريعة ، محركه مطواع لا يريد الانتظار ، يسير في عجلة ، كحركة عمر الشباب ، الميال للحركة ، نفوسهم ثورة على الجمود ، و هو سر يحاول البعض القفز عليه ، لكنها حقيقة مقررة.
مع هذا الثقل و البطء و التراخي فإن الحقائق مازالت مستقرة ، لم تتأثر بعامل الزمن ، تقاوم نحث الرياح الصخور الصلبة ، رغم تهدم بعض صورها، مازلت الآثار على عهدها ، مازلت تحافظ على كينونة البقاء ،ترى الآمال المرجوة لم تتبدد ، وفهمنا لها لم يتبلد ، برغم الضعف و الوهن.
قد يشعر مثلي بوخز الإبر الصينية النافعة ، حبا لاستكمال ما بدأناه ، نرافق غرسنا و لو بقليل جهد مخلص ، قد أراه غير كاف ، بل ربما أراه جهد منقوص ، و لكن مثلي لا يبخل أن يمد العون و لو بهمس الصدى.
مازلت على عهدي أحمل في يقيني وعدا صادقا ، أن الخير رسالته لا تنقطع ، تستمر و تبقى لو مع الضعف ، تساير السنن في تناغم تمضي نحو هدفها في مسار طويل ، فيه مسالك كثيرة متشابكة ، لكن النهاية آمنة بإذن .
مازلت على عهدي أرى كما يرى من يقاطعني الهدف المشترك ، أن بلوغ المرامي لا تقبل الارتجال و لا تقبل حرق الأشواط ، لا تقبل استعجال ، لا تقبل التهور ، طريق تطلب الاستبصار وعمق النظر ، تطلب عين تحلق للمعالي ، تستشرف المستقبل الواعد ، تجني ثماره الأجيال القادمة
ما زلت على يقيني أن الخير يورث للأجيال ، يسلم سليما غير مشوه أو مجزئ أو مبتور ، تسلمه رواحل عاشت الطهر في الميدان ، عاشت وفية لخط رسمها ، ترعاه من سقي ماء زلال صافي ، غير مخلوط بالشوائب النجسة.
ما زلت على عهدي أن المرء كلما اهتزت تفته بنفسه و ساءت ظنونه بها أوشك أن تصبه الهزيمة الداخلية ، وضعفت تقتل بقدراته ومواهبه ، وتسمّع للصدى الخارجي ، تسمّع لمن يطعنون و يهمزون في الظهر حلت الهزيمة.
المرء الثابت عليه أن يجدد العهد كلما ضعفت همته ، عليه أن يقوي ثقته بأصل الشجرة ، يعزز ثقته بنفسه كما كانَ ابنُ المبارَك يقولُ:
«يَا ابْنَ المبارك إِذَا عَرَفْتَ نَفْسَكَ، لَمْ يَضُرَّكَ مَا قِيلَ فِيكَ»
هي برقيات سريعة لدفتر عمر مضى في رحاب العطاء ، أدونها لنفسي حتى تظل على العهد الذي آمنت به عصنا غضا طريا ، و ها أنا على أعتاب عمري المتقدم ، أجاهد نفسي أن تظل مع ضعفها في حياض الحق ، تسير معه حبوا تبغي الرضوان و تحصيل التواب.
وسوم: العدد 1092